السوريون حول العالم

مُعدّ برنامج “خبرني يا طير” الشهير أصبح لاجئاً اليوم !

من منا لا يتذكر يوم الثلاثاء من كل أسبوع، من عام 1999 لغاية 2011، يوم كانت العائلة من كبيرها إلى صغيرها، تجتمع في تمام التاسعة والنصف، حول شاشة التلفاز، لتشاهد برنامج “خبرني يا طير” الذي دخل قلوب السوريين قبل بيوتهم.

من منا لا يذكر خالد جمالو معد البرنامج وصانع تقاريره، الذي رسم دموع الفرح على وجوه مئات الأهالي، بعد جمعهم مع أحبائهم، مهما بعدت المسافات، ومهما صعبت الحالات.

اليوم خالد جمالو أبن مدينة بنش ، صار “قصة” شبيهة بقصص برنامجه الذي رفض من أجله منحة ماجستير الى بريطانيا، ورفض نقل البرنامج الى تلفزيون “أبو ظبي” رغم كل العروض التي تقدمت له، بعد أن اغترب في هولندا منذ عدة سنوات، تاركاً بأرواحنا ذكرياتٍ تربطنا بحقيقة ما كنا عليه، من أصحاب شعورٍ صاف، وأشخاص تؤثر بهم حالات كالفراق لم يعتادوا عليها أبداً.

على بعد آلاف الأميال، يشرح خالد جمالو، لموقع تلفزيون الخبر، أسباب اغترابه فيقول: “الحرب استطاعت أن تنال من روحي ومن طاقتي ومن علاقتي مع المهنة، وحتى مع الناس الذين يعتبرون الدافع الاساسي لعملي، وهذا الأمر جعل مني عاطلاً عن العمل، بمرتبة مدير برامج في القناة “الأولى” إلى حين إغلاقها قبل سفري بفترة قصيرة”.

ويتابع مقدم برنامج “خبرني يا طير” حديثه الموجع فيقول: “للأسف كنت قد تنبأت أو شعرت باحتمال أن أتحول إلى حالة إنسانية من الحالات التي كانت تأتي الى البرنامج، وهذا ما حصل ولو بشكل نسبي، فأنا فقدت والدتي في الشمال السوري في بداية الحرب، ولم استطع أن أودعها، وتوفى أخي وأختي في السنتين الأخيرتين أيضاً، لم أستطع أن أفعل شيئاً”.

خالد جمالو الذي يعيش تحت وطأة الغربة يصف شعوره نحو بلاده فيقول: “أعتقد أن أكبر عشاق سوريا لن يصلوا الى أعلى مراتب عشقهم إن لم يختبروا السفر، وأنا حين كنت على صلة بالمغتربين في الماضي لم أكن أصدق كل ما يقولونه، عن هول هذا الشعور وصعوبته، بل وكنت أحياناً أختصر من مقابلاتي معهم لاعتقادي أن كلامهم من باب الوطنيات المجانية”.

ويتابع “ ولكن اليوم وأنا أعيش في أرقى بلدان العالم وفي أكثرها ديمقراطية، واحتراماً للإنسان تراني زاهداً بكل الامتيازات تحت وطأة الحنين والانتماء، وأكاد أجزم أن من يعيش هنا هو شبيهي لأن روحي وحواسي بقيت في سوريا”.

وعن العودة إلى الوطن يقول خالد جمالو “كل يوم لا تخلد نفسي إلى النوم قبل ان أقدم لها رشوة ووعد بالعودة، وبالفعل أحياناً أفكر بالعودة بشكل جدي لكن الأصدقاء والزملاء لا يشجعونني من ناحية، كما أنني أعمل هنا وأقدم خدمات إنسانية ضمن عمل تطوعي استمتع به بدرجة معينة من ناحية أخرى، بالإضافة الى الدراسات العليا التي أنا في صددها الآن وهي علم اللغويات”.

يقول أحدهم: “كان المواطن السوري قبل الحرب، مرهف المشاعر شديد الحساسية، وتؤثر به كل قصص الحب واللقاء بعد غياب، وكانت أغنية من أغاني فيروز “الحنونة”، أو أغنية عراقية قادرة على ذرف دموعه، ولكن بعد الحرب بدأت عتبة الشعور ترتفع لديه تدريجياً”.

ثمانُ سنواتٍ من الحرب، كانت كفيلة لرفع عتبة الشعور، وخاصة أنه ذاق فيها الويلات، وعايش كل حالات القتل والجوع والدمار، فباتت حياته فيلم “أجنبي” يجمع الأكشن والدراما والتراجيديا، ومن الطبيعي أن يموت شعوره تدريجياً، فلا يؤثر فيه دمع المشتاق، أو منظر متشرد على الرصيف، أو طفل حافي بين الركام.

اليوم بعد غياب الشعور، قلةٌ من القصص هي التي تحيي فينا حقيقتنا، فما بالك باغتراب من كان يجمع المغتربين، وفقر من كان سنداً للمحتاجين، وضعف من كان مغيثاً للملهوفين، وكم من خالد جمالو فينا، صار حرفاً بكلمةٍ من حكاية كان هو من يرسم حروفها.

يحاول السوريون أن يخطوا كما اعتادوا، نهاية حكايتهم، بشتى الوسائل، فمنهم من اغترب ويأمل بالعودة، ومنهم من صبر ليخبره الطير المهاجر بأن طريق العودة واضح وقريب.

زر الذهاب إلى الأعلى