دراما وفن

لهذه الأسباب يكره نظام الأسد الفنان سامر المصري

شتائم وتخوين وسخرية، هو المثلث الذي قابل به إعلام النظام السوري والموالون له، الأغنية التي طرحها الممثل سامر المصري، وعبّر فيها عن اشتياقه للعاصمة دمشق، وسوريا عموماً، بعد سنوات من العيش في منفى اختياري في دبي. فسارعت وسائل إعلام النظام وصفحات تابعة له في مواقع التواصل، إلى الهجوم على نجم “باب الحارة” مجدداً، بوصفه “خائناً تخلى عن وطنه في أحلك الظروف”.

الأغنية التي كتبها ولحنها المصري نفسه، وتحمل عنوان “بحبك”، لا تستحق التوقف عندها بحد ذاتها، فهي مزيج من الكليشيهات على مستوى الكلمات والصور المرافقة، حيث الحديث عن الياسمين والشوق والحب والانتماء، كما أن إمكانات المصري التمثيلية أعلى بكثير من قدراته الطربية. لكن الأغنية تبقى تعبيراً عن حالة يعيشها الفنان، أو رسالة يريد إيصالها ربما، كما أنها قد تنطق بلسان كثر من اللاجئين السوريين.

رغم ذلك، تناست صفحات النظام ووسائل إعلامه، كل ما يحدث في البلاد أمنياً وخدماتياً وسياسياً، بما في ذلك الصور المهينة لطوابير الناس المصطفين للحصول على الغاز المنزلي غير المتوافر في مناطق النظام، ووجدت في الأغنية بديلاً يشغل البيئة الموالية، لساعات قليلة على الأقل. فاتهمت المصري بمحاولة “تملق” المسؤولين السوريين من أجل العودة “إلى حضن الوطن” عبر الأغنية، وسألت الموالين عن رأيهم في التسامح مع “المعارضين” و”الخونة”! في تكرار لروتين توزيع شهادات الوطنية والانتماء في البلاد.

والحال أن الحقد الذي يكنه النظام السوري للمصري (49 عاماً)، من بين جميع الفنانين المعارضين، يبدو خاصاً ومختلفاً. فنجم “باب الحارة” الذي ابتعد عن الأضواء لسنوات بعد الثورة السورية، لم يمتلك موقفاً معارضاً حاداً ومبدئياً مثل زملائه جمال سليمان ومكسيم خليل وفارس الحلو ويارا صبري والراحلتين مي سكاف وفدوى سليمان، على سبيل المثال. بل إن موقفه الإنساني، يشكل منطلقاً لحملات التخوين الكبيرة التي لاحقته منذ قراره مغادرة سوريا العام 2012.

ومنذ مغادرته البلاد، حرص المصري على توضيح موقفه من الثورة السورية، في كثير من اللقاءات الإعلامية مع وسائل إعلام عربية، وقال مراراً أن موقفه إنساني وليس سياسياً وأنه يحمل دعوة التسامح والسلام ونبذ العنف من جميع الأطراف، وأنه ليس معارضاً بالمعنى الحرفي. حتى أن وسائل إعلام مقربة من النظام قبل سنوات، قالت أنه يجب إطلاق تسمية “المعارض الوطني” عليه، لأنه لم يتحدث عن “الدولة السورية” بسوء ولم ينضم لتجمعات المعارضة السياسية ولم يشارك في التظاهرات الشعبية ولم يصرح ضد رئيس النظام بشار الأسد “عبر شاشات الإعلام المغرض”.

في الجانب الآخر ينظر كثير من المعارضين للمصري بشكل بطولي، كمعارض عتيد، وهي صورة تكرست على الأغلب من مجموعة من الأخبار الكاذبة التي ظهرت عبر مواقع التواصل في الأعوام الأولى للثورة السورية، بما في ذلك هجوم مفترض من قبل المصري على “الفنانين الشبيحة” كرغدة وسوزان نجم الدين وسلاف فواخرجي، ممن وقفوا إلى جانب النظام السوري ودافعوا عنه بشكل علني، وصولاً إلى أخبار حمله السلاح وانضمامه إلى “الجيش الحر”.

وبين الحالتين، كان المصري هادئاً في العموم. صوره القليلة مع بعض اللاجئين السوريين أثارت حفيظة الإعلام الموالي للنظام، كما أن إطلاقه للحية طويلة في فترة من الفترات كانت سبباً للهجوم عليه بوصفه “داعشياً” و”إخوانجياً” و”إسلامياً متطرفاً”! من دون أي تصريح مرافق أو موقف سياسي معلن بالطبع.

وربما تعود جذور هذا التطرف في عداء المصري، إلى العام 2011 تحديداً، حينما كان المصري مقرباً من النظام لدرجة مشاركته مع وفد من الفنانين في لقاء مجموعة من السوريين في مناطق من ريف دمشق، من أجل إقناعهم بعدم التظاهر السلمي حينها، قبل أن يقرر المصري فجأة مغادرة البلاد بعد الاستقطاب، ما اعتبره النظام على الأرجح انقلاباً وخيانة لا يمكن مسامحتهما! خصوصاً أن المصري بعدها تحدث بشكل مقتضب عن السلام ووقف العنف، الذي كان مقتصراً على عنف النظام في تلك الفترة قبيل تحول الثورة إلى العسكرة لاحقاً.

والحال أن هذا الموقف المتشنج لا يقتصر على الإعلام بل يتواجد في النظام نفسه، ضمن نقابة الفنانين برئاسة زميل المصري في “باب الحارة”، زهير رمضان، الذي أصدر قرارات تعسفية عديدة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك فصل المصري من النقابة العام 2015 ضمن لائحة شملت 198 فناناً معارضاً.

كما دعا رمضان، العضو في “مجلس الشعب”، إلى محاسبة الفنانين المعارضين العائدين إلى “حضن الوطن”، وأكد أنه أبلغ الأجهزة الأمنية عن تصريحات ومواقف اتخذها بعض الفنانين العائدين ضد النظام. ويشمل ذلك الفنانين الذين حافظوا على موقف “رمادي” ولم يقفوا بشكل صريح إلى جانب النظام ولم يدافعوا عن “الدولة السورية”، ولا يمكن تفهم موقع المصري ضمن التصنيف السابق، إلا أنه مشمول ضمن هذا السياق من الإقصاء والكراهية.

وفي ضوء كل هذا التشنج، يعود المصري أخيراً للدراما السورية هذا الموسم، ضمن مسلسل “الحرملك” الذي يخرجه تامر إسحاق، علماً أن مشاركاته الأخيرة اقتصرت على الجزء الثاني من مسلسل “أبو جانتي” ومسلسل “أوركيديا” اللذين لم يتركا أثراً يذكر، بالإضافة للعبه دور البطولة في المسلسل التاريخي المصري “الشاه والسلطان”، فضلاً عن مشاركات سينمائية.

جريدة المدن

زر الذهاب إلى الأعلى