هكذا يتحدى السوريون صعوبة اللغة الفرنسية ويحصلون على شهادة سواقة في فرنسا
رغم إدراكه لضرورة حيازة شهادة سياقة قبيل سفره إلى فرنسا، إلا أن حاجة “محمود” إلى السيارة فاقت توقعاته مع وجود عائلة كبيرة معه وسكنه في قرية صغيرة وسط فرنسا الغربي، حيث لا وسائط نقل عامة إلا مرتين باليوم، ليضطر إلى مساعدة جيرانه الفرنسيين في كل مرة يود فيها التسوق بالبلدة التي تبعد 10 كم عن قريته، فضلا عن الحاجة لإيصال الأطفال إلى المدارس وتلبية حضور المواعيد الكثيرة لاستكمال الأوراق تمهيدا للحصول على الإقامة في فرنسا.
عائقان أساسيان وقفا أمام اللاجئ القادم من بلاد تعتبر فيها السيارة رفاهية وحلما صعب المنال، العائق الأول هو اللغة الفرنسية الضرورية لتقديم الامتحان النظري (code de la route) والثاني يتمثل بأن “محمود” لم يحصل على ترف قيادة سيارة في سوريا، وجل ما حققه أن استطاع يوما ما امتطاء صهوة آلية لم يتعدَّ عدد عجلاتها الاثنين دراجة “بسكليت” أو دراجة نارية “موتور”! فلم يتسنّ لـ”محمود” أن يحصل على رخصة قيادة سيارة من سوريا لكي يعمل على تبديلها شأن جميع مالكي الرخصة السورية في فرنسا، والذين عانوا ما عانوه نتيجة الدقة والانضباط في تنفيذ قانون السير هنا.
يتحدث “محمود” لـ”زمان الوصل” عن تجربته بعد أن قرر الحصول على “الكود” وواجه التحدي ليعتكف في “معسكر مغلق” استمر شهرين أمضاهما في دراسة أكثر من 3 آلاف سؤال بعد التسجيل في مدرسة لتعليم القيادة، واستعاد الفترة التي كان يحضّر فيها لامتحان “البكالوريا” قبل 28 عاما، ليحفظ ما تيسر له من معلومات منحته علامة 37 من أصل 40 في الامتحان النظري الذي تقدم به لأول مرة.
وأوضح “محمود” أنه تقدم للامتحان النظري (code de la route)، كأجنبي، أي بطريقة “non francophone”، حيث يمنح المتقدم وقتا إضافيا كي يجيب على السؤال، مع إمكانية مرافقة مترجم، وفي الامتحان يعد الوقت عاملا حاسما في الإجابة الصحيحة، خاصة أمام شخص لا يجيد الفرنسية ولا السياقة، لأن الأسئلة بالفرنسية مرفقة بصورة يجب تحليلها بشكل صحيح للوصول إلى الجواب الصائب، وهذا ما يحتاج وقتا إضافيا للقدرة على تحليل الصورة وترجمة السؤال.
وبعد تجاوزه الامتحان النظري الذي يفتح الباب واسعا للحصول على رخصة القيادة، بدأ “محمود” التدريب العملي في المدرسة نفسها، كما يقول، وبعد 34 ساعة تدريب حصل على الرخصة نتيجة لنجاحه الامتحان العملي.
*فرحة الحصول على “الكود”
أما الصحافي “علي أبو المجد” فقال: “قبل 3 أشهر قررت أن أحصل على شهادة القيادة فربما احتاجها في يوم من الأيام سواء أثناء العمل أو في حياتي الخاصة، وهذا التوقيت جاء بعد تخرجي من الجامعة أي أن الوقت أصبح متاحا أمامي أكثر من أي وقت مضى”.
وفي حديث مع “زمان الوصل” أضاف: “كنت متحمسا جدا عندما ذهبت إلى المدرسة بهدف التسجيل، عندما شاهدت الكتاب وموقع التدريب على الإنترنت لأول مرة تفاجأت وصدمت لأن الفرنسية التي أعرفها تختلف تماما عما كنت أراه من مصطلحات وغيرها”.
ومضى أبو المجد بالقول: “الانسحاب في ذلك الوقت كان يعني بالنسبة لي نكسة كبيرة، خاصة أنه سيتبعه عدم ثقة بالنفس، لذلك قررت المتابعة رغم تشتت الفكر وعدم الاستقرار النفسي.. كنت أقسو على نفسي لأنني وضعت شهرا واحدا فقط للنجاح في الامتحان النظري، وهذه المدة لا يمكن اختصارها أكثر حتى لو كان المتدرب فرنسي لأن السلسلة مكونة من أكثر من 3 آلاف سؤال بالإضافة إلى الكتاب، وهذه الأسئلة مكررة وقد يصل عددها بالتكرار حتى 9 أو 10 آلاف سؤال”.
وأوضح مدى صعوبة التحضير لامتحان الرخصة: “أصبت باليأس مرارا لأنني كنت أدرس وحيدا في المنزل، ولا يوجد حولي من يشجعني أو حتى من يشرح لي بعض المصطلحات أو الأفكار التي لم أكن أفهمها.. خلال أوقات عملي كنت أتدرب فقط في المساء ساعتين أو أقل، أما في أيام العطلة كنت أتدرب في المنزل حوالي 4 ساعات تقريبا حتى وصلت في منتصف ديسمبر أن أحصل على درجات تتراوح ما بين 35 و 40”.
وقال: “قمت باستهلاك حوالي 250 ورقة بيضاء لتدوين الملاحظات وطباعة بعض الملاحظات والأفكار والأسئلة.. يوما بعد يوم أصبحت أحس بسهولة الألفاظ لأنها كانت تتكرر كثيرا إلى أن أخبرتني المدرسة أنه يجب علي تقديم الامتحان بعد اطلاعهم عن بعد على مستواي عبر الموقع.. كنت مترددا وغير جاهز لكنني وافقت بعد أن أكدت لي السكرتيرة أنني أستطيع تجاوز الفحص بنجاح لأنني أول شخص يمر على مدرستهم و يحصل في الامتحان الأبيض (examen blanc) على 36 من أصل 40، لأن هذا الفحص صعب جدا، وأضافت أن من يحصل على 30 في هذا الفحص يعتبر مؤهلا لدخول الامتحان بشكل رسمي”.
وختم بالقول: “تقدمت في الموعد المحدد للفحص وأجبت عن 36 سؤالا وكنت سعيدا جدا لأنني منذ زمن طويل لم أشعر بفرحة النجاح، رغم أنني تخرجت مؤخرا من ماستر الصحافة لكن التخرج وقتها كان شيئا طبيعيا بالنسبة لي”.
*من طالب إلى معلم
الشاب “سليمان جيجو” الذي وصل فرنسا في شهر شباط/2017، أوضح أنه عانى كثيرا قبل الحصول على رخصة القيادة.
وقال الشاب: “أثناء إقامتي في فرنسا كنت أتنقل من أجل التسوق والمواعيد أو دروس الفرنسية عن طريق المواصلات الداخلية للمدينة وفي بعض الأحيان كنت مجبراً على السير على الأقدام في حال تأخرت على موعد الحافلة.. وفي بعض الأحيان كنت مجبراً على الخروج من المنزل قبل موعد المدرسة بساعة كاملة، لأن المواصلات الداخلية للمدينة لا تمر بالقرب من المدرسة، فضلا عن أنها كانت تتوقف عن السير في وقت مبكر”.
وأضاف لـ”زمان الوصل”: “المعاناة إذا كان لديك طفل مريض، وعليك أخذه للطبيب أو المستشفى في ساعة متأخرة من الليل وتأخرت عليك الطوارئ”.
تابع: “قررت الحصول على رخصة القيادة، وعند التسجيل في المدرسة حصلت على كتاب مؤلف 250 صفحة.. في البداية كان العبارات والجمل صعبة الفهم، إلى أن تعرفت على الأستاذ (حسن) من المغرب المقيم منذ 40 عاما”.
ولفت “سليمان” إلى أن الأستاذ “حسن” شرح له الكتاب وساعده بالتدريب على التطبيق في البيت، وحفظ القوانين من الكتاب، كما أشار إلى أنه ساهم بنشر معلومات الكتاب والتي يتلقاها من المدرسة على حائط مجموعة (code de la route) التي يشارك فيها سوريون على “فيسبوك”.
وقال: “من هناك بدأت بمشروع نشر وشرح اللافتات وجميع القوانين من الكتاب، وبعد نشر أكثر من 200 فيديو وصورة ومعلومة لاحظت بأن جميع المعلومات التي أنشرها تضيع في زحمة المنشورات، إلى أن قررت إنشاء قناة (يوتيوب) خاصة بي، وأنشر عليها المعلومات ساعدت كثيرا من الأشخاص من خلال الملاحظات والنصائح.
وعبر “سليمان” عن فرحته الكبيرة عندما حصل على 39 نقطة من أصل40 في امتحان “الكود”، وفي الامتحان العملي 29 من أصل 31.
وكشف أن بعض الأشخاص لم يحصلوا على “الكود” رغم مرور زمن طويل، مرجعا السبب في ذلك إلى الأوضاع المادية، كما أن هنالك أشخاصا تقدموا مرات عديدة من أجل “الكود” ولم يحصلوا على نتيجة رغم وجود مترجم.
* وللعمل أيضا
الشاب “ميسم مسلماني” قال إن رخصة قيادة السيارات من أهم الأشياء التي يجب أن يحصل ليها المقيم في فرنسا، فهي تعادل أو تقارب اللغة والاندماج بالمجتمع الفرنسي، مشيرا إلى أن صعوبات التنقل ليلا ومصاعب الحصول على عمل من دون رخصة قيادة، خصوصا إذا كان الشخص يعيش في الريف.
وقال لـ”زمان الوصل: “بالنسبة لعملي في مجال شبكات الاتصال رخصة القيادة مهمة جدا، لأن هذا المجال يقوم على التنقل.. وأول ما تسأله الشركات للشخص في حال التقدم على عمل هو الرخصة”.
وأضاف: خلال أحد ورشات التدريب الخاصة بالكابلات الضوئية مع إحدى الشركات، ضاعت مني فرصة كبيرة في توقيع عقد عمل مع هذه الشركة لأني لا أملك رخصة قيادة.
واعتبر أن أهم الصعوبات التي تقف في وجه الشخص للحصول على إجازة قيادة السيارات حاجز اللغة.
وقال: أنا أفهم اللغة الفرنسية لكن بعد التسجيل بمدرسة لتعليم القيادة، لم أجد وقتا للتعلم إلا عن طريق الإنترنت لأن العمل منعني من الذهاب إلى المدرسة.. جربت على الإنترنت وواجهت صعوبات كبيرة بفهم بعض الكلمات لأني لم أسمع فيها من قبل.
وتابع: أصبحت بحاجة إلى ترجمة السؤال والجواب لأتمكن من فهم المحتوى.. هذا الأمر أخذ مني وقتا طويلا لدرجة أني شعرت باليأس خصوصا عندما كنت أسمع أصدقائي الفرنسيين يتكلمون عن مدى صعوبة “الكود”.
وختم “مسلماني”: “لم أتوقف وتابعت وبعد دراسة شهرين أو أكتر شعرت بالجهوزية الخضوع للامتحان.. جربت نفسي بامتحان تجريبي مع مدرسة السواقة وحصلت على 30 من 40 وتعني الرسوب، ولكن كان السبب عدم فهم كل الأسئلة، هنا نصحتني المدرسة بالتقديم مع مترجم حينها حصلت على الكود من أول مرة.
*تنويه:
يتكون امتحان “الكود” في فرنسا من 40 سؤالا يتم اختيارها من نحو 4 آلاف سؤال في مختلف الموضوعات (إشارات، أولوية، ميكانيك، أوراق رسمية…)، وعلى المتقدم أن يجيب بشكل صحيح على 35 سؤالا (على الأقل) ليكون بين الناجحين، علما أن المدة المتاحة للإجابة على كل سؤال هي 20 ثانية فقط.
تقرير لجريدة زمان الوصل