3 أيام من الانتظار في الطابور للحصول على إسطوانة الغاز
خلال دقائق معدودة، يضيق أحد شوارع مدينة حلب بالسكان الذين ما أن يسمعوا صوت شاحنة توزيع الغاز حتى يصطفّوا في طابور طويل، للفوز بجرّة انتظروها طويلاً، في ظل أزمة محروقات بدأت قبل شهرين.
يتكرر هذا المشهد يومياً في حي صلاح الدين في غرب مدينة حلب، كما في بقية المدن السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، بينها دمشق، بعدما ضربت البلاد أزمة محروقات خانقة أدت الى خفض الكميّات الموزعة من الغاز والمازوت على المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد. وتزامنت الأزمة مع زيادة في الاستهلاك مع اعتماد كثير من العائلات على الغاز كوسيلة رئيسية للتدفئة خلال فصل الشتاء.
ويمكن في موعد التسليم، سماع ضجة ارتطام أسطوانات الغاز بعضها ببعض في كل أرجاء الحي.
وترتسم ابتسامة كبيرة على وجه أم بدر التي تمكنت أخيراً من الحصول على جرّة غاز تحاول بكل قوتها سحبها على الأرض قبل أن يتطوع شاب لمساعدتها في جرّها حتى مدخل منزلها.
وتقول السيدة، وهي في الخمسينات من العمر، وقد ارتدت جلباباً طويلاً وحجاباً أسود: “أقف هنا منذ ثلاثة أيام بشكل دوري كل صباح.. اليوم كنت محظوظة وحصلت على جرّة الغاز”.
وتضيف “أعتمد على الغاز من أجل الطهي، وهو الوسيلة الوحيدة مع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة”.
وتُشرف لجنة من محافظة حلب برفقة عدد من عناصر الشرطة على تنظيم الصف الممتد على مسافة مئتي متر. ويتراجع عدد المنتظرين بشكل تدريجي مع إفراغ سيارة التوزيع حمولتها بالكامل. عندها يعود السكان السيئو الحظ أدراجهم بانتظار إعادة الكرّة في اليوم اللاحق.
ويسجّل مختار حي صلاح الدين، حسن الجوك، معلومات الهوية الشخصية لكل من يستلم جرّة غاز، لتلافي حصوله على جرّة أخرى. ويقول لوكالة فرانس برس: “يعتبر حي صلاح الدين أكبر حيّ في حلب من حيث عدد السكان، إذ يضمّ نحو 25 ألف عائلة، ويتمّ إرسال نحو مئتي جرّة غاز يوميا إلينا”.
وربطت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار في تقرير نشرته صحيفة “الوطن” الموالية للنظام نهاية الشهر الماضي، الأزمة بأسباب عدة بينها “الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تعوق وصول ناقلات الغاز إلى البلاد، واستيراد 70 إلى 80 في المئة من المادة الخام من دول صديقة”، إضافة إلى زيادة الطلب خلال الشتاء.
وتعليقاً على أزمة الوقود، قال وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، علي غانم، خلال جلسة لـ”مجلس الشعب” التابع للنظام في 22 يناير/ كانون الثاني، إن “الاجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا تسببت بتعثر وصول المشتقات النفطية”.
ولوّحت وزارة الخزانة الأمريكية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني بفرض عقوبات على كل الجهات أو الأشخاص المنخرطين في عملية شحن النفط الى سوريا. وتزامن ذلك مع تحرك واشنطن لتعطيل شبكة دولية “وفّر من خلالها النظام الإيراني، بالتعاون مع الشركات الروسية، ملايين براميل النفط لنظام الأسد.
وحددت الخزانة الأمريكية تسعة أهداف قالت إنها متورطة في المخطط بما في ذلك مواطن سوري تتخذ شركته من روسيا مقراً لها.
وتحتاج سوريا يومياً كمعدل وسطي الى 130 ألف أسطوانة غاز، وفق تقديرات حكومة النظام التي حددت سعر الأسطوانة بـ2700 ليرة سورية (5 دولارات). ونتيجة الأزمة، وصل سعرها في السوق السوداء الى 12 دولاراً.
تخفيف الدوام والمبيع
وانعكس نقص الغاز سلباً على أصحاب المؤسسات، لا سيما المقاهي والمطاعم، وبينهم مطعم محمد فتوح للدجاج المشوي في شارع الحميدية في حلب.
ويقول فتوح (50 عاماً): “منذ بدأت أزمة الغاز، قلّلنا كمية البضاعة المعروضة للبيع، وخفّفنا ساعات الدوام لئلا نغلق بشكل كامل”.
وأقفل عدد من محلات الشاورما، وفق فتوح، “بشكل كامل لمدة أسبوعين أو ثلاثة، قبل أن تعاود العمل بعد تمكنها من الحصول على أسطوانات غاز”.
ورغم ارتفاع أسعار الغاز، يحافظ فتوح على أسعاره القديمة. ويقول: “لا يُمكننا الانتظار يومياً في الطوابير لساعات طويلة” لشراء الغاز وفق السعر الرسمي، لذلك “نضطر أن نشتري جرّة الغاز ولو بسعر مرتفع” من السوق السوداء. ولا تقتصرُ أزمة الغاز على محلّ فتوح، بل طرقت أبواب منزله.
وتروي زوجته أم عبدو، أنها تعد في المنزل وجبات الطعام التي لا تحتاج للنار كالسلطات والأطباق الباردة. وتضيف: “اعتدنا على انقطاع الكهرباء ونقص المازوت، لكننا لم نعتد بعد على نقص الغاز”. وتضيف: “بات الحصول على جرّة الغاز حلماً يُضاف الى بقية أحلام المواطن الحلبي البسيط”.
– المصدر : السورية نت