“الأسد وجيشه أوّل الأهداف”.. إلى أين ستذهب إسرائيل لردع إيران بسوريا؟!
كشف الباحث تشاك فريليتش، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي والأستاذ في جامعة “هارفارد” الأميركية أنّه “على الرغم من انتصار نظام بشار الأسد في الحرب السورية، فإنّ النزاع السوري أثار مخاوف إسرائيل من تهـ.ـديدات إيران على حدودها”، معتبراً أنّه “إذا لم تتدخّل روسيا التي لا يمكن التعويل عليها في نهاية المطاف، فإنّ الأسد وجيشه سيكونان أول الأهـ.ـداف الإسرائيلية”.
ويلفت الباحث، في مقال بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إلى أنّ “جحيم الحرب الأهلية التي شهدتها سوريا كان له تداعيات مختلطة بالنسبة إلى إسرائيل، فمن ناحية تم تدمير الجيش السوري الذي استغرق بناؤه وتدريبه عقوداً ولم يعد يُشكل تحدياً عسكرياً كبيراً لإسرائيل، باستثناء الدفاعات الجوية. وعلاوة على ذلك لم تعد إسرائيل تواجه خطر شن حرب ضدها من دول الجوار، وهو ما يعتبر تقدماً كبيراً بالنسبة إلى موقعها الإستراتيجي”.
تداعيات حاسمة
ولكن بطبيعة الحال مع الفراغ التي شهدته سوريا خلال الحرب الأهلية، فقد تحرك آخرون لملء هذا الفراغ عندما تفككت سوريا، وطوال سنوات الحرب الثمانية، كانت هناك عدة سيناريوهات محتملة تنطوي على تداعيات حاسمة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، أولها أن يسيطر تنظيم “داعش” على سوريا ويرسخ نفسه على الحدود الإسرائيلية، الأمر الذي رفضه المجتمع الدولي وجرى التحرك ضده بقيادة الولايات المتحدة، وفقاً للباحث نفسه.
ومن المفارقات، بحسب الباحث، أنّ إسرائيل كانت الأقل انزعاجاً من “داعش” مقارنة مع الدول العربية والولايات المتحدة والمجتمع الدولي؛ حيث كان “داعش” يركز على خصومه من السنة والغرب أكثر من إسرائيل. أما السيناريو الآخر المحتمل فكان يعكس مخاوف إسرائيل الأزلية، التي تحققت بالفعل في الواقع، وتمثلت في إعادة توحيد سوريا مع هيمنة الخصوم البارزين لإسرائيل وتحديداً إيران وروسيا.
ويعتبر الباحث أنّ إعادة تشكيل الدولة السورية، حتى ولو كان ذلك شكلياً، يبدو أفضل من تفكك سوريا الذي يخلق أرضية خصبة لتعزيز نفوذ إيران و”حزب الله” من دون كبح جماحهما، ومن الواضح أنّ الأسد لا يرغب في أن تهيمن عليه روسيا أو إيران، ولكن ليس أمامه أي خيار سوى استرضائهما مع محاولة الحفاظ على قدر من الاستقلال.
الهلال الشيعي
وحصلت روسيا، وهي القوة الوحيدة الأكثر نفوذاً في سوريا اليوم، وفق الباحث، على عقود مدتها 50 عاماً لقواعدها الجوية والبحرية، ويمنحها ذلك القدرة على نشر نفوذها في جميع أنحاء شرق البحر المتوسط، وبالنسبة إلى روسيا التي ركزت على تجديد مكانتها كقوة عظمى والتنافس مع الولايات المتحدة، فقد أسفر التدخل الروسي في سوريا عن استعادة روسيا لنفوذها الإقليمي، وباتت روسيا هي عامل التوازن المحوري وحلت محل الولايات المتحدة التي تراجعت.
ويوضح الباحث أنّ سيطرة إيران على سوريا هي مفتاح تحقيق حلمها الأبدي بـ”الهلال الشيعي” الذي يمتد عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط، وترسيخ وجود بري وجوي وبحري دائم على حدود إسرائيل، بيد أنه تم تقويض قدرة إيران على القيام بذلك حتى الآن بفضل الوجود العسكري الأمريكي الصغير في شرق سوريا وكذلك مئات الغارات الجوية الإسرائيلية التي نجحت بالفعل حتى الآن في إحباط جهود إيران.
ويقول الباحث: “على الرغم من أن إسرائيل باتت دولة قوية وقادرة على إظهار ظبط النفس في مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهها، فإن الوجود الإيراني يشكل تغييراً شديداً غير مقبول في ميزان القوى، ولن تستطيع إسرائيل التسامح معه، ويتعين منعه حتى وإن اقتضى شن الحرب”.
استنساخ “حزب الله”
ولكن الإشكالية بحسب الباحث تتمثل في أن إسرائيل تلعب لعبة دفاعية، ولك ن في نهاية المطاف إذا كانت إيران مصممة بالفعل على طموحاتها فإنها ستكون الخاسرة، ورغم قدرة إسرائيل على مهاجمة الشحنات والقواعد العسكرية مرات عديدة، فإن إيران ستواصل ترسيخ وجودها في سوريا بشكل تدريجي، تماماً كما استغرق الأمر عقوداً لبناء حزب الله في لبنان ترسانة أسلحة مذهلة تضم 130 ألف صاروخ، ومن ثم فإن إسرائيل لن تسمح باستنساخ نموذج “حزب الله” في سوريا بحيث تتحول إلى امتداد لـ”حزب الله” وإيران.
وينتقد الباحث سياسة الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط لأنها غير متماسكة وغير فعالة؛ فقد تخلت إدارتا أوباما وترامب عن سوريا وتركتها لروسيا وإيران، وحتى إذا ترك ترامب بعض الوجود العسكري الأمريكي الضئيل في سوريا، فقد أصبحت روسيا اللاعب الوحيد القادر على تحقيق استقرار جزئي للأوضاع على الأقل إلى جانب منع الأمور التي يمكن أن تقود بسهولة إلى حدوث صدام مع إيران سواء في سوريا أو بشكل مباشر.
وحتى الآن نجحت روسيا جزئياً فقط في لعب دور الوسيط المعتدل، ويرجع ذلك إلى حدود نفوذها مع سوريا وإيران أو لأنها تفضل اللعب مع كل طرف على حده، بما في ذلك إسرائيل، واستغلال نقاط الخلاف بين الأطراف. وحتى إسقاط الطائرة الروسية في أيلول الماضي، بدا أن موسكو تمنح إسرائيل حرية التحرك داخل سوريا لشن الغارات الجوية ضد إيران و”حزب الله”، ولكن ربما يكون هذا الحادث ذريعة مصطنعة لإحداث نقطة تحول. ورغم إصرار إسرائيل على حقها في مواصلة الهجمات في سوريا، فإن روسيا وضعت قيوداً شديدة، وتراجع عدد الهجمات حتى قبل تزويد روسيا لسوريا بصواريخ “إس 300” الجديدة.
تصعيد خطير
ويُشير الباحث إلى إخفاق روسيا في الحفاظ على التزامها ببقاء القوات الإيرانية و”حزب الله” بعيداً عن حدود الجولان بمسافة 60 – 80 كيلومتراً، ناهيك عن تلبية طلب إسرائيل بالانسحاب الكامل. والواقع أن إيران تعمد إلى دمج قواتها و”حزب الله” في الجيش السوري والسيطرة على وحدات كاملة بالجيش. ومع انسحاب القوات الأميركية لم يعد أمام إسرائيل سوى السعي للحصول على المساعدة الروسية لتجنب وقوع مواجهة مع إيران.
ويحذر الباحث من أنّ استمرار إيران في جهودها لترسيخ وجود عسكري كبير في سوريا سيقود بلقيام إسرائيل بمهاجمة أهداف مهمة للنظام السوري، ويمكن البدء بالأهداف العسكرية كرسالة، ولكن بعد ذلك على الأرجح سيصل التصعيد إلى الهجوم على أهداف النظام السوري نفسه. وإذا لم يسفر ذلك عن ردع إيران، فربما تضطر إسرائيل إلى التفكير في شن هجمات على أهداف مهمة داخل إيران.
ويختتم الباحث بأن مثل هذا التصعيد سيكون خطيراً بلا شكّ، ولكن من الأفضل أن يتم الآن في ظلّ الاتفاق النووي الإيراني الذي لايزال يقوض قدرات إيران النووية، لا في المستقبل عندما تتجاوز طهران الحد الأدنى لتجميد برنامجها النووي (15 عاماً). ونظراً إلى إدراك المجتمع الدولي للخطر الذي تشعر به إسرائيل من الوجود الإيراني على حدودها، فإنّ تهديد إسرائيل بالعمل العسكري ربما يقود إلى الضغط على سوريا وإيران.