السوريون في تركيا

معـاناة السوريين في القنصلية السورية باسطنبول

يختلف تعامل القنصلية السورية في اسطنبول بشكل كامل عن أي قنصلية في الدول الأخرى، فمثلاً في الإمارات القنصلية أو السفارة ورغم الازدحام هناك لا يشار إلى مشـاكل ولا يوجد مشــكلة لدى السوريين بعدم إمكانية الحصول على أي وثيقة مطلوبة.

لكن وبحسب ما نشر موقع مراسل سوري ورصدت الوسيلة تبدأ المعاناة ورحلة الابتــزاز عند الوصول إلى تركيا وبدء الحاجة لأي وثيقة من القنصلية والتي يمكن تسميتها بكل بساطة بالسرقة العلنية حيث يتطلب أي إجراء في القنصلية سلسلة من دفع الرشاوى على شكل دفعات للسماسرة وموظفي القنصلية حتى ان الإعلان عن هذه المكاتب أصبح متوفراً على صفحات الفيس بوك بكل وضوح وعلانية.

تسعيرة للمواعيد!

وأوضح الموقع المعارض أنه عند انتهاء أو قرب انتهاء مدة جواز السفر فيجب البدء بمعاملة تجديد الجواز، أعلنت القنصلية على موقعها الرسمي بأن حجز المواعيد يكون حصراً عن طريق موقعهم الالكتروني والقنصلية ليست مسؤولة عن أي مواعيد مزورة او معاملات مع سماسمرة او معقبي المعاملات، الجملة التي تكون باللون الأحمر هي بلا قيمة طبعاً خصوصاً عند المحاولة عدة مرات وعدم النجاح فهنا تضطر للتواصل مع احد السماسرة “يكون ابن حلال” الذي وتوفيراً للوقت يرسل اليك نشرة أسعار للمواعيد :

منح الجواز (تجديد )٢٠٠ دولار

طلب منح (اول مره )٢٠٠ دولار

سند الاقامه ٨٠ دولار

احوال مدنية ١٥٠ ليره تركية

تصديق ١٢٥ ليره تركية

تصاريح ١٧٥ ليره تركية

وكاله ٢٠٠ ليره تركية.

“تجديد جواز السفر، وكالة، تصديق، أحوال مدنية “تسويات” وبطاقة عبور وهناك أوراق أخرى.”

الموعد يعني وقوف يوم كامل

“تاريخ انتهاء مدة جواز السفر هو التاريخ الأسوأ بالنسبة للسوريين في تركيا.”

المبلغ السابق هو فقط للموعد الذي سيكون بطاقة الدخول الى بناء القنصلية السورية في اسطنبول والذي لا يعطيك حق الدخول على الموعد المحدد “مثلا الساعة العاشرة صباحا” بل يجب الذهاب في الصباح الباكر والوقوف في الطابور أمام القنصلية حتى يأتي دورك للدخول .

القنصلية السورية في اسطنبول هي القنصلية الوحيدة التي يتم الدخول عليها بدون أن يتم السؤال حتى ماذا يوجد في حقيبتك، لا يوجد تفتيش على الباب، تستطيع أن تدخل جهازك الخليوي معك، لا يوجد قاعة انتظار للمراجعين فالجميع يجب عليهم الوقوف في الشارع وانتظار الموظف حتى يطلب نوع المعاملة ليصعد أصحابها .

قامت بلدية شيشلي بوضوع ثلاث حواجز حديد في الشارع محاولة ضبط آلية الوقوف في الشارع أمام بنك “اش بنكسي” ولكن الأعداد الكبيرة المتواجدة يومياً والتي تبدأ بالتجمع منذ الساعة 6 صباحاً تصبح تلك الحواجز بلا قيمة مما يضطر المراجعين على التوزع أكثر فهناك ما يقارب وفي أقل التقديرات ما لا يقل عن مئة وخمسن الى مئتي شخص يومياً.

يقف الشباب وكبار السن أمام في الشارع وتكون نظرات المارة تارة بالاستغراب لهذا التجمع الكبير وتارة أخرى بالرفض للتجمع بشكل عام وبهذا الشكل وتارة بالتعاطف كما حدثني أحد الواقفين أنه في يوم ما كان هناك امرأة كبيرة جالسة على الرصيف من التعب وفجأة وقفت سيارة ونزل منها رجل كبير في العمر اقترب منها ليعطيها مالاً ظاناً انها متسولة ولكنها رفضت أخذ المال بقولها “مالي شحادة”.

كما أشار الموقع إلى استمتاع موظفي القنصلية بإذلال المراجعين قائلاً: أثناء الوقوف والانتظار يخرج أحد الموظفين من القنصلية ليستقبل أحد ما ويدخله وينظر الى الناس الواقفين بنظرة أقرب الى الفوقية ويكون دخوله وخروجه وكأن المتجمعين ليس له علاقة بهم وليسوا هناك لاتمام وثائق عليه أن يجهزها لهم وكثيراً ما يتبرم ويشتم أحياناً وكأن الواقفين هم مجموعة من الخراف.

يوجد خلف القنصلية كشك صغير لتصوير المستندات يذهب اليه المراجعين ويخبرونه بنوع المعاملة ليقوم بتصوير الاوراق المطلوبة وهذا الكشك هو أفضل الموجود، حقاً.

ذل:

الساعة الآن الثانية عشر ونصف، وقت الغداء فتقفل القنصلية ابوابها لمدة ساعة وما زالت الاعداد الكبيرة تنتظر ولا يستطيع أحد أن يترك مكانه خوفاً من أن يتم فجأة المناداة عليهم أو أن يأتي شخص آخر ويقف مكانه .

تقريباً كل نصف ساعة يخرج الحارس ليطلب من الناس الرجوع الى الخلف والوقوف في المكان المخصص ويقوم بدفع الناس الى الخلف والصراخ عليهم وهو يعرف أن ذلك المكان لا يتسع ولكن هو واجب يجب أن يقوم به من باب “عملت اللي عليّ” .

الغريب بأن القنصلية تستقبل يومياً هذه الأعداد الكبيرة ولا يوجد أي حركة لتحسين الوضع او أفكار جديدة لجعل الأمر أسهل بل في الوقوف خارجاً أكثر ما تسمعه من المراجعين بأن القنصلية تسعى وتتعمد الى إذلالنا وبأن الهدف الأول لهم هو أن نعيش هذا الذل ويرجح الأغلبية بأن القنصلية او القائمين عليها يعتبرون بأن السوريون في تركيا هم معارضون لنظام الأسد فلهذا يجب أن يدفعوا ثمن ذلك .

الدخول:

يخرج الحارس وهو يحمل هاتفه بيده يتحدث لموظف ما، ويقول “جواز” فيستنفر من لهم تلك المعاملة ويقفون بالترتيب ليأتي الحارس ويطلب خمس او ست أشخاص ويقف حوله من لهم معاملات أخرى ولكن لا يدخل أحد الا من طلبهم، ويعود السوريون لوقفة الذل وشتم القنصلية ولكن بباطن الجميع لا يوجد حل آخر فيجب الانتظار الى آخر دقيقة ويبدأ الحديث عن إمكانية تأجيل من تبقى لليوم التالي.

غرفة الانتظار او غرفة تقديم الاوراق فيها سبع كراسي وعبارة عن غرفة مترين عرض بثلاثة طول أو اقل، ويوجد فيها نافذتين تتسع لإدخال الأوراق.

النافذة الأولى لمعاملات الجواز وهناك الموظف المستعد بأن يكون بشكل دائم مستنفر وكما يقال “خلئو ديق”.

اما الثانية فهي لكل المعاملات الأخرى ويوجد موظف واحد الذي يختفي فجأة وتبقى النافذة فارغة الى وقت غير معروف.

عند الانتهاء من تحضير المعاملة الخاصة بالجواز يطلب الموظف من صاحب المعاملة الدخول لمقابلة القنصل، قبل دخولي كنت أظن بأن القنصلية هي تلك الغرفتين فقط ولكن المفاجأة عند الدخول الى مكتب القنصل.

هناك مكتب كبير وكبير بشكل ملفت ويوجد مكاتب أخرى أيضا وواسعة وأما القنصل فتعطيه المعاملة ليضع عليها توقيعه والسؤال في حال كنت أرغب بالعمل على “تسوية”، ولكن عند الاستفسار من القنصل عن سبب تعامل القنصلية مع المواطنين بهذا الشكل فيكون الرد بأنه لا نستطيع فعل شيء وهذا الوضع الحالي.

على الرغم من الأعداد الكبيرة التي تنتظر في الشارع، فهناك أعداد كبيرة أيضاً في غرفة الانتظار ويمكن في أغلب الأحيان ان تنتظر خارجاً لعدم امكانية الدخول حتى يخرج أحدهم وتدخل مكانه.

في هذه الحالات تسمع فجأة صوت أحد الموظفين من الداخل وهو يصرخ على المواطنين ويستخدم عبارات “انتو ما بتفهمو، ولا صوت، ما بدي اسمع شي” .

المعضلة المعقدة :

الفكرة المتفق عليها عند جميع المراجعين بأن القنصلية مسؤولة عن سرقتهم جميعاً بشأن حجز المواعيد، والمعضلة التي لا يمكن فهمها هي عند استخراج جواز سفر “عادي” اي بأن عليك الانتظار لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لاستلام هذا الجواز وبالطبع يجب عليك الذهاب والانتظار واذا لم يكن الجواز قد وصل بعد فيتم تأجيل الاستلام أسبوعين.

كما هو معروف بالنسبة للقنصلية فإن الأمنيات في تركيا “دائرة حكومية حول الاقامات في تركيا” تطلب ورقة تصديق من القنصلية “لأن الجواز لا يكون اصدار القنصلية” وعند طلب ذلك التصديق من الموظف يقول بأن هذه العملية هي معاملة أخرى ويجب ان تحجز موعد وتدفع 25 دولار أمريكي لورقة التصديق، وتعيد السؤال على الموظف ولماذا لا نستلم التصديق فوراً مع الجواز فيكون الجواب بأن تذهب وتسأل الأمنيات لماذا يريدون ذلك .

الجواز يتم استلامه ويكن عليك ان تحجز موعد من أحد السماسرة بقيمة 175 ليرة تركية كأقل تقدير وتذهب لتعيش حالة الذل نفسها في الانتظار أمام بناء القنصلية لتدخل وتعطي الموظف صورة عن الجواز و25$ ليقول لك بأن الاستلام بعد أسبوع وبهذا يكون طلب جواز السفر أربعة أشهر في أحسن الأحوال.

الدفع:

بعد أن كان دفع رسوم القنصلية والمعاملات في بنك “اش بنكسي” تحول الموضوع ليصبح في القنصلية نفسها ولكن بشروط لا تعرفها حتى يأتي دورك، فلا يجب ان يكون على النقود أي ختم او كتابة او اي شيء وببساطة عليك الخروج مرة اخرى لتبديل العملة وتدفع لمكتب الصرافة الأقرب 5 ليرات تركية لتبديل العملة بنفس القيمة.

تجارة مربحة:

فلنفترض بأقل التقديرات، يومياً يوجد خمس جوازات مستعجلة “800$” ومثلها عادية “300$” ومعاملات أخرى من أحوال مدنية ووكالات وسندات اقامة وتصديق وبطاقة عبور وتسويات، فإن القنصلية تعمل يومياً بما لا يقل عن عشرة آلاف دولار وسطياً.

وما يتم جمعه خارج القنصلية من حجز المواعيد عن طريق السماسمرة هو صفقة مربحة جداً بالنسبة للموظفين ويما يتم دفعه على الباب للدخول فقط “200ليرة تركية” تكون أيضاً في الحساب العام للموظفين.

السماسرة:

سوف تجد أمام باب القنصلية عدد من الشباب والذي من الواضح جداً أنهم لم يأتوا لتسيير معاملة ما بل هم سماسرة لإدخال من يريد قبل الجميع أو يكونوا قادمين مع المواطن بعد اخباره بأن عليك الإنتظار قليلاً أمام باب القنصلية ويتفاجأ “أي السمسار” مع المواطن عند كل ساعة انتظار جديدة ولكن في اليوم التالي سيكون زبون جديد ومراجعين جدد فلن يتعرف عليهم أحد.

القنصلية السورية في اسطنبول هي أسوأ كابوس بالنسبة للسوريين خصوصاً القادمون من مدن أخرى “غازي عنتاب او مرسين او انطاكيا ….”، لا يوجد حل من جهة النظام المسيّر للقنصلية ولا يوجد حل من جهة الحكومة التركية بالضغط على القنصلية لتحسين الوضع وسيبقى الوضع كما هو لأنه ومع الأسف السوريين في حاجة للقنصلية وسيبقى الاذلال كما هو والسرقة من المواطنين كما هي ويمكن أن تزيد الأسعار أكثر .

لماذا لا يوجد موقع الكتروني لإرسال طلب المعاملة المطلوبة مع ارفاق كافة الأوراق ويتم ارسال تأكيد استلام من القنصلية وتحديد موعد استلام تلك المعاملة بحيث تختفي حالة “الطابور” في اسطنبول ويرتاح السوريون قليلاً ولكن هنا سيكون قطع للأرزاق وهذا طبعاً ما لا يقبله القنصل فسيخسر هو ومن معه ثمن المواعيد اليومية وفرحة اذلال المواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى