حزب الله يسحب عناصره من سوريا ويستغني عن موظفي قناة المنار
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن العقوبات الأمريكية على إيران أثرت بشدة على مالية حزب الله.
وفي تقرير أعدته ليز سلاي وسوزان حيدموس من العاصمة اللبنانية بيروت، قالتا فيه إن الميليشيا اللبنانية انتعشت ولعقود بسبب الدعم المالي السخي من إيران والذي انفقته على مساعدة مقاتليها وتمويل الخدمات الإجتماعية بالمناطق الإنتخابية التابعة لها وعلى بناء ترسانة عسكرية ضخمة جعلت من الميليشيا قوة عسكرية مهمة في الشرق الأوسط بقوات في سوريا والعراق.
ولكن العقوبات التجارية الواسعة التي فرضتها إدارة دونالد ترامب العام الماضي على إيران قللت من قدرتها على تمويل حلفائها مثل حزب الله. ويعاني الحزب الذي يعد من أهم الجماعات الوكيلة لإيران من تراجع حاد في موارده وأجبر على تخفيض حاد في نفقاته، وذلك نقلا عن مسؤولين بارزين في الحزب وعناصر فيه ومؤيدين له.
وقال موظف في إحدى وحدات الحزب، إنه طلب من المقاتلين أخذ إجازات أو أحيلوا على الإحتياط حيث يتلقون رواتب أقل أو لا شيء على الإطلاق. وتم سحب عدد كبير من الذين أرسلوا إلى سوريا حيث لعبت ميليشيا حزب الله دورا مهما في القتال نيابة عن بشار الأسد وبقائه في الحكم.
وبحسب شخص من داخل الحزب فقد أصابت الأزمة المالية تلفزيون “المنار” الصوت المعبر عن الحزب في لبنان والمنطقة، حيث تم الاستغناء عن خدمات العاملين فيه وتوقيف برامج.
وانخفضت النفقات السخية على البرامج الاجتماعية التي تظهر دعم الطائفة الشيعية في لبنان للحزب، بما في ذلك الأدوية المجانية والمواد الغذائية للمقاتلين والموظفين وعائلاتهم.
وتقول الصحيفة إن العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب بعد خروجه من المعاهدة النووية التي قصد منها الحد من طموحات إيران النووية، تعتبر أكثر تعسفا من تلك التي أجبرت إيران الذهاب إلى طاولة المفاوضات والموافقة على توقيع معاهدة عام 2015. ويزعم المسؤولون في الإدارة الأمريكية أنهم حرموا إيران من موارد قيمتها 10 مليارات دولار منذ بداية العقوبات في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2018. وهو ما جلب البؤس والمعاناة على ملايين الفقراء الإيرانيين وكذا قدرة حكومتهم على الإنفاق.
وزاد التوتر بين واشنطن وطهران عندما قررت الإدارة في الثاني من أيار (مايو) إلغاء الإعفاءات التي منحتها لثماني دول كي تتداول النفط الإيراني في محاولة لوقف الإنتاج النفطي الإيراني إلى “صفر”.
ويرى المحللون في المنطقة أن قسوة العقوبات تمنح إيران حافزا لكي تدفع محاولات واشنطن وتجاوز “الخط الأحمر”، ذلك أنه لم يعد لديها أي خيار بل الإنتقام ضد الإجراءات الأمريكية.
وتنقل الصحيفة عن المحلل السياسي في بيروت كمال الوزان، والذي وصفته بالمتعاطف مع الجماعة اللبنانية قوله: “تعود الإيرانيون على العقوبات إلا أن مستوى العقوبات هذه سيؤدي إلى رد مختلف ولن يسكت الإيرانيون على هذا”، مشيرا إلى أن “هناك أشكالا من الحروب أكثر تأثيرا من الحرب نفسها.. إنه موت بطيء للبلد وحكومته وشعبه”. ورغم أنه من الباكر لأوانه تأكيد مسؤولية إيران عن إعطاب أربع ناقلات نفط قرب شاطئ الإمارات إلا أن إيران لديها محفز لتدفيع الولايات المتحدة الثمن من خلال إحداث “قفزات في أسعار النفط”.
وقال: “هذا الألم سيتم رده بالمثل”. وترى الصحيفة إن إجراءات التقشف التي اتخذها الحزب تقدم صورة عن أثر العقوبات على إيران وقدرتها بالضرورة دعم جماعتها الوكيلة.
واعترف مسؤول بارز في الحزب بتراجع الدعم الإيراني مما أجبرهم على قطع النفقات. وقال: “تركت هذه العقوبات، بلا شك أثرا سلبيا” و”في النهاية فالعقوبات هي جزء من الحرب وسنقوم بمواجهتها في هذا السياق”.
ويعاني الحزب من عقوبات أخرى فرضت على الشركات والأفراد والمصارف التي تعاقب لو تعاملت معه بعد وضعه على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي تعدها الخارجية الأمريكية.
ويتهم الحزب بتفجيرات للمارينز الأمريكي وخطف مواطنين أمريكيين في الثمانينات من القرن الماضي. ولكن المسؤول يرى أن العقوبات المفروضة على إيران تركت أثرها على مالية الحزب.
ولم يكشف المسؤول عن حجم التخفيض في الدعم الإيراني ولا كيف، إلا أن المبعوث الأمريكي الخاص لإيران بريان هوك أخبر الصحافيين في واشنطن الشهر الماضي أن إيران كانت في العادة تنفق على الحزب 700 مليون دولار في العام، وهو ما يمثل 70% من موارده. ويرى المسؤول أن الحزب لديه مصادر دخل أخرى وسيحاول استخدامها بقوة و”تحويل التهديد إلى فرصة”.
وقال مسؤول بارز ثان إن المسؤولين والجنود المتفرغين للقتال يحصلون على رواتبهم الكاملة بدون العلاوات والفوائد مثل بدل النقل والمساعدات الغذائية والطبية. وتحصل عائلات “الشهداء” الذين قاتلوا في سوريا أو في الحروب السابقة مع إسرائيل على المخصصات. وتعتبر المعونات مقدسة ولا أحد يلمسها وضرورية للحفاظ على قدرة الحزب كقوة قتالية وجلب الموالين له.
وبدأ الحزب حملة لتعويض النقص في موارده من خلال دفع المتعاطفين معه وأنصاره للتبرع مما كشف عن الصعوبات المالية التي يعاني منها.
ومنذ خطاب الأمين العام للحزب، حسن نصر الله في آذار (مارس) ودعا فيه أنصاره للتبرع “لصناديق الجهاد” انتشرت هذه في شوارع ومناطق الحزب وخارجها، وتحت شعارات مثل “الصدقة تدفع المصيبة”.
وتشير الصحيفة للشاحنات الصغيرة التي تطوف في شوارع الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت، تحث الناس عبر مكبرات الصوت على التبرع، بالإضافة لليافطات الإعلانية التي رفعت على طريق المطار تدعو المواطنين للتبرع إلى الجمعيات التي يديرها حزب الله.
وقام أنصار للحزب بوضع أشرطة فيديو على صفحاتهم بالمنابر الإجتماعية تذكر الناس بـ”الواجب الديني” لمساعدة المحتاجين. وبعد كل هذا أكد المسؤول أن التخفيض في النفقات لم يؤثر على وضع حزب الله بالشرق الأوسط ولا على جاهزيته العسكرية.
وقال: “لا زلنا نتلقى السلاح من إيران ولا نزال مستعدين لمواجهة إسرائيل، ولم يتأثر دورنا في العراق وسوريا، ولم يغادر أحد في حزب الله لأنه لم يتلق راتبه ولم تتوقف الخدمات الإجتماعية”. وتوقع قائلا إن “العقوبات لن تبقى للأبد، وكما ربحنا عسكريا في سوريا العراق فسننتصر في هذه الحرب أيضا”.
ومع ذلك يواجه الحزب عقوبة من نوع آخر والنابعة من عقوبات أمريكية عليه، فبحسب حنين غدار، الباحثة في شؤون حزب الله بمعهد واشنطن، فهو لا يستطيع الحصول على دعم من رجال الأعمال واللبنانيين في الخارج بسبب العقوبات. وتردع هذه مؤسسات الحكومات والشركات من التعامل مع شبكة الحزب الواسعة والشركات والمتعهدين.
ويتزامن حال حزب الله المالي مع الوضع الإقتصادي في البلد الذي دخل مرحلة ركود اقتصادي أثرت على الشركات الواسعة المرتبطة به وطالت حياة اللبنانيين العاديين الذين يعتمدون عليها.
وبالنسبة للولايات المتحدة فالعقوبات فاعلة وتترك أثرها إلا أن هناك قلق من زعزعتها لاستقرار منطقة تعاني من نزاعات وتقلبات وزيادة المشاعر المعادية لأمريكا فيها والضغط أخيرا على إيران كي ترد. ويقول محمد عبيد المحلل السياسي المقرب من حزب الله إن استراتيجيته تقوم على البحث عن مصادر دخل بديلة ومواجهة الحملة المعادية لإيران التي تشنها إدارة ترامب.
ويعترف الحزب ببقاء ترامب في الحكم حتى عام 2024 ولهذا تبنى رؤية طويلة الأمد من خلال البحث عن مصادر إضافية وتفعيل السابقة. أما إيران فستعود لعاداتها القديمة قبل المعاهدة النووية وهي “السوق السوداء” مشيرا لعدة طرق تستطيع من خلالها تهريب نفطها عبر العراق وباكستان وأفغانستان وعمان وحتى دبي.