مناف طلاس يكشف عن «خلطة ثلاثية» اتبعها صديق طفولته بشار الأسد انتشلت نظامه من السقوط
«بشار الأسد اُغتـ.يل!» صرخ رجلٌ وهو يقود دراجته عابراً أمام مناف طلاس، الجنرال السوري المنفي الذي كان يوماً عضواً في الدائرة المقربة من الأسد، وأحد العارفين بأخـ.طر أساليب الأسد السرية للبقاء في السلطة، ويعلم جيداً كيف نجا الأسد من السقوط؟
مناف طلاس كان أحد أصدقاء طفولة الرئيس السوري، ولكنه انشق عن النظام عام 2012، وكان يجلس في مقهى مفتوح في باريس في عام 2017، عندما سمع هذا الخبر.
لكنه تلقَّى الخبر بابتسامة متألمة، «هذا علي، الشاب الذي أشتري منه الجريدة اليومية، يخبرني بهذا في كل مرة أراه فيها».
روى المؤلف سام داغر في كتابه «الأسد أو نحرق البلد» بحسب ما نشر عربي بوست ورصد موقع الوسيلة “كيف أوشك الأسد على السقوط حتى انشق منه المقربون؟، وكيف نجا من هذا المصير بخلطة من الوحشية والعائلية والطائفية؟، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية”.
كيف نجا الأسد من السقوط؟ .. حتى صديق طفولته الأسد توقَّع نهايته
مناف طلاس (نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس)، المصدر الداخلي الرئيسي لهذا السرد حول نصف قرنٍ من حكم عائلة الأسد.
كان مناف أحد الكثيرين الذين قللوا من شأن قوة النظام السوري بُعيد بداية انتفاضة الربيع العربي في سوريا في عام 2011.
«نحن قادمون لأخذك»، هكذا قال ثائرٌ سوري مهدداً الأسد في خطابٍ متلفز بُثَّ في العام التالي.
هاجمت قوات المعارضة مدينتي دمشق وحلب، أكبر مدينتين في سوريا، وتوقعت الحكومات الأجنبية أن الأسد في طريقه للسقوط فناقشت بثقةٍ مفرطةٍ أفضل مكان قد يقصده -إفريقيا أو أمريكا الجنوبية- بعد تخليه عن السلطة.
«ثمة زحفٌ ثابت يتعذر إيقافه لإسقاط النظام»، كانت هذه كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، هيلاري كلينتون، لأكثر من 100 وزير خارجية اجتمعوا في باريس في صيف عام 2012.
تبيَّن أن الزحف كان بالاتجاه الآخر: الأسد ونظامه استعاد إحكام قبضته وهو اليوم يسيطر على معظم البلد عدا القسم الشمالي شرقي الذي تحكمه القوات التي يقودها الأكراد المدعومون من أمريكا والجيب الكبير المحيط بإدلب في شمال غرب سوريا والذي تسيطر عليه مجموعاتٌ شبيهةٌ بالقاعدة.
أساليب الأسد السرية للبقاء في السلطة للأبد.. الطائفية والعائلية والاستعانة بأسوأ ما في إرث والده
لم يكن النظام أبداً بالضعف الذي بدا عليه للعالم الخارجي: كان عديم الرحمة، مستعداً لقتل كل من يقف في طريقه، كانت لديه قيادة متماسكة وحّدتها القرابة وحافظت على ولاء الوحدات الأساسية في الجيش والمخابرات، والتي كانت غالباً تحت قيادة أفرادٍ من الطائفة العلوية التي يصل تعدادها إلى حوالي مليونين وجدوا أنفسهم يحاربون ليس فقط للحفاظ على السلطة بل لأجل بقائهم نفسه.
«ولكن الوحشية أيضاً ظلت أسلوبه المفضل»، فالوسائل التي استخدمها النظام لهزيمة أعدائه لم تتغير كثيراً منذ زمن حُكم والده حافظ الأسد، الجنرال العلوي في القوات الجوية والذي استولى على السلطة في عام 1970.
كيف نجا الأسد من السقوط؟
يصف داغر بالتفصيل سحق انتفاضةٍ في مدينة حماة السنية في عام 1982 باستخدام القصف العشوائي والإعدامات الجماعية (وهي طرقٌ شبيهةٌ للغاية بما حصل في أماكن مثل درعا وحمص ودوما بعد ثلاثين سنة).
عسكرةُ معارضةِ نظامِ بشار الأسد خدمته في الحقيقة؛ لأن النظام كانت لديه قواتٌ أقوى، ما ترك السوريين أمام الخيارين الصعبين: إما عائلة الأسد وإما المعارضة التي هيمن عليها المتطرفون المتدينون من العرب السُّنة.
وعشر عائلات تسيطر على الاقتصاد
داغر يبلغ أوج إقناعه حين يرسم قائمة الاتهام ضد عائلة الأسد: حافظ، بشار، أخوه الأصغر ماهر، أبناء أخواله رامي وحافظ مخلوف، بالإضافة إلى الأتباع المخلصين منذ زمن طويلٍ لعائلة الأسد مثل مصطفى طلاس، وزير الدفاع السابق ووالد مناف طلاس.
ينقل داغر عن اقتصاديٍّ معارض أن «عشر عوائل تدير سوريا وتتحكم بكل شيء»، بعد أن خَلَفَ بشار والده كرئيسٍ لسوريا في عام 2000، كانت ثمة آمالٌ في التحرر.
قال أحد سكان دمشق الذين عادوا لمنازلهم: «اعتقد الناسُ أنَّ حكمَ مملكة الخوف بدأ بالانتهاء». لكن عوضاً عن ذلك، بقيت سوريا دولةً بوليسية حيث كان ثمة الكثير المثير للخوف: الاعتقال العشوائي، والتعذيب والإعدام داخل منظومة سجون وحشيةٍ بشكلٍ بشع.
يورد داغر وصفاً تصويرياً لهذه الوحشية من التجربة الشخصية لمحامي حقوق الإنسان، مازن درويش، والذي كان أحد أوائل المتظاهرين.
إنه مختلف عن باقي حكام المنطقة ولكن واحد فقط يشبهه
العنوان الفرعي للكتاب هو «كيف دمرت شهوةُ عائلةٍ للسلطة سوريا»، لكن داغر يركِّز على ما يميز عائلة الأسد عن الطغاة الآخرين في المنطقة.
لكن الخصم الذي كرهوه آل الأسد، وهو صدام حسين، حكم العراق بنفس الطريقة التي حكموا بها سوريا، حماية نظامه من الانقلابات عبر أشكالٍ متعددة من الولاءات والقمع، مستفيداً من ولاءات العشيرة والطائفة والحزب، موزعاً المحسوبيات ومؤسساً قوىً أمنيةً متنافسة.
فشلت الانتفاضة الشعبية لعام 2011 في سوريا، لكن انتفاضاتٍ أخرى أيضاً فشلت في كل أرجاء الشرق الأوسط تقريباً، تاركةً سوريا وليبيا واليمن خراباً خلفته الحروب، كما أنتجت ديكتاتورياتٍ أشد قمعاً من قبل في مصر والبحرين.
وأخيراً سلاحه الأكثر فتكاً.. مخاوف الأقليات
داغر صريحٌ في مقته لعائلة الأسد وكل ما فعلته، وقد راقبه عن قرب لسنتين وهو المراسل الغربي الوحيد الذي مكث بشكل دائم في دمشق. تم احتجازه لفترة قصيرة من قبل ميليشياتٍ تابعة للنظام في سجنٍ تحت الأرض ثم طُرد بعدها مباشرةً بأمر من المخابرات في عام 2014. هذا يمنح وصفه للأحداث مصداقيةً غير متوافرة في العديد من الشهادات الأخرى، لكن ثمة أيضاً توترٌ بين ميله إلى لوم عائلة الأسد على كل ما جرى وبين رؤيته لهم كنتيجةٍ للأحقاد الدينية والاجتماعية.
يكتب داغر متحدثاً عن الشروخ الكبرى التي غذّت الصراعات في سوريا منذ ستينيات القرن الماضي: «بشكلٍ عام، كان الصراع بين الأغلبية السنية المحافظة ونظام الأقلية العلماني، الكافر في نظر بعض أطرافها».
في الفترة القصيرة من الأيام الأولى للاحتجاجات، بدا ممكناً تخيُّلُ أن الأجندة الديمقراطية الليبرالية قد تنجح في سوريا. كان الإعلام الغربي أعمى غالباً تجاه صعوبةِ تحقق هذا، وكانت الحكومات الأجنبية غير واقعيةٍ بالمثل، رغم أن دبلوماسييها في دمشق كانوا أقل تفاؤلاً بكثير.
الأسد يمكن أن يعتمد على 30-40% من السكان، نصف هؤلاء المؤيدين هم من العلويين، والمسيحيين أو الأقليات الأخرى، هكذا كتب أحد السفراء في أوج التظاهرات في يوليو/تموز من عام 2011.
فقد كان السُّنة الفقراء هم وقود الثورة بعد أن أفسد بشار اتفاق أبيه معهم
العداواتُ الدينية التقليدية التي فاقمتها عدم المساواة الاجتماعية كانت دائماً تشكِّل الأحداث، فوسطُ دمشق مكتظ بالمحلات الفاخرة والفنادق الفارهة، لكن شأنه شأن بقية المدن السورية، كان محاطاً بما أصبح يُعرف باسم «أحزمة البؤس» المسكونة بأناسٍ هربوا من الفقر والجفاف في الريف.
«حَكَم حافظ سوريا عبر اتفاقٍ مع الريف السُّني الفقير. بالطبع كان الكل مسحوقاً لكن حاجاتهم الأساسية كانت متوفرةً على الأقل»، حسبما يقول طلاس.
هذا الاتفاق سقط تحت حكم بشار الأسد؛ إذ إن الحلقة الداخلية للنظام اكتسبت ثروةً طائلةً في ظل نهج ماجن من رأسمالية المحسوبيات. لذا فإن القرويين المهملين وسُنَّة الضواحي شكلوا اللبنة الأساسية للانتفاضة.
ولكن بعد ظهور التحرك المسلح خرج الأمر من يد السوريين نظاماً وثواراً
ما إن حل التحرك المسلح محل الاحتجاجات السلمية في الفترة بين أواخر عام 2011 وبدايات عام 2012 حتى أصبحت المبادرة بيد قوى خارجية.
النظام والمعارضة كلاهما احتاجا المال والسلاح، ثم لاحقاً، المقاتلين الأجانب، وهذا ممكن أن يأتي فقط من الخارج.
التناقض القاتل في الربيع العربي في سوريا (وبقية المنطقة)، حسب الصحيفة، كان أن الداعمين الماليين الأساسيين لحركةٍ بدأت بالمطالبة بالحرية والديمقراطية لم يملكوا سوى أن يعتمدوا على دول الخليج، وكثير من هذه الدول طائفيةٌ بالأساس ومعادية للديمقراطية، كما أنها آخر الملكيات ذات الحكم المطلق في العالم.