بانفتاحها على الأكراد.. هل تعود تركيا لسياسة تصفير المشاكل؟
تعد القضية الكردية في تركيا واحدة من أهم المعضلات التي واجهت الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923؛ فأعمال تمرد من قبل مسـ.لحين أكراد كانت تشكل تهـ.ديداً حقيقياً لأمنها واقتصادها ومشاريع التنمية فيها، ولم تنجح القوة التركية المفرطة في وضع حدّ لذلك.
وذكر موقع الخليج أونلاين في تقرير رصده موقع الوسيلة أنه في عهد حكم حزب العدالة والتنمية تم السعي للوصول إلى حلّ سلمي تفاوضي مع الأكراد، بديلاً عن المواجهة العسكرية.
وبين عامي 2012 و2015 جرت مساع لإيجاد حلّ سياسي للمشكلة، بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية عام 2011 باعتذار عن مجازر “ديرسيم” التي ارتكبتها الدولة بحق الأكراد في ثلاثينيات القرن الماضي.
تعطل المسار السياسي
بعد سلسلة إصلاحات هي ثمرة ثلاث سنوات من المفاوضات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، تم تحقيق إنجازات عدة وإصلاحات عديدة في طريق تطبيع الأوضاع وتحقيق اندماج الكرد ضمن منظومة الإصلاحات الشاملة.
لكن متغيرات دولية وصراعات إقليمية على رأسها القضية السورية، وتدخل العامل الدولي في هذا الصراع تسببت في وضع حد لهذه الجهود.
وعليه دخلت عملية السلام الداخلية في تركيا مرحلة جمود منذ مارس 2015.
وفي يوليو من العام نفسه استأنف حزب العمال عملياته ضد الجيش والشرطة التركيين، مؤذناً بدخول مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، في حرب عصابات واستنزاف ساحتها شوارع المدن التركية ذات الأغلبية الكردية بجنوب شرقي البلاد.
ومع توسع الصراع التركي الكردي باتجاه الحدود السورية، ودخول الولايات المتحدة كداعم للأكراد على خلاف ما تقتضيه العلاقة مع أنقرة، الحليف الاستراتيجي للغرب، والعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، برزت حاجة ملحة لعودة الحلول السياسية مع الأكراد، في سبيل تخفيض الضغط الذي أثقل كاهل الاقتصاد التركي خلال السنوات الماضية؛ بسبب الصراع السوري والمتغيرات الدولية فيه.
أولى علامات هذا التحرك كانت بسماح الحكومة لعبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال ومرشده الروحي، بأن يلتقي محاميه في محبسه بجزيرة إيمرالي، بعد أن كانت فرضت عليه حظراً استمر سنوات لم يسمح خلالها للمحامين بزيارته رغم مئات الطلبات التي قدموها.
وكشف وزير العدل التركي، عبد الحميد غل، الخميس (16 مايو 2019)، أن حكومة بلاده قررت إلغاء الحظر عن أوجلان. وقال في مؤتمر صحفي: إن “لقاء المحكوم بمحاميه حق يكفله القانون، كما ينص القانون على تقييد هذا الحق في الحالات التي تمثل خطراً أمنياً محدداً”.
هذه الخطوة جاءت بعد أن وجه أوجلان، في 6 مايو، رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية عبر محاميه، دعاها فيها إلى إيجاد حلّ سلمي مع تركيا وتغليب لغة الحوار بدل الصراع.
وقال المحاميان التركيان في بيان إن أوجلان -المسجون في تركيا منذ 1999- دعا قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري- إلى وضع الحساسيات التركية بسوريا في الحسبان.
ونقلت الرسالة عن أوجلان قوله: “نعتقد أن مشاكل سوريا يجب أن تحل بعيداً عن ثقافة العنف؛ بهدف إرساء ديمقراطية محلية في إطار احترام وحدة الأراضي السورية”.
وهذه هي المرة الثانية التي يوجه فيها زعيم حزب العمال نداءً من سجنه، يدعو فيه إلى إيجاد أرضية للحوار مع الدولة التركية؛ إذ كانت المرة الأولى في عامي 2014 و2015.
وكانت السلطات التركية اعتقلت أوجلان عام 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، وسجنته في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول؛ بعد إدانته بتهمة قيادة تمرد مسلح ضد تركيا، وحكم عليه القضاء التركي بالإعدام، ثم خففه إلى السجن المؤبد.
عودة لتصفير المشاكل
خطوة الحكومة التركية تجاه أوجلان، وبيان الأخير الداعي إلى مراعاة حساسيات أنقرة في المنطقة، قرأها محللون بأوجه متباينة، حيث اعتبر فريق منهم أن حكومة العدالة والتنمية رأت أن المرحلة تستوجب عودةً إلى سياسة “تصفير المشاكل”، التي دشنها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو.
مصطفى عبد العزيز صحفي مصري متابع للشأن التركي، قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “تركيا أدركت أنها دفعت وتضررت من وقوفها إلى جانب شعوب الربيع العربي، في ظل تخلي الغرب عن الأخلاق والمبادئ وانحيازه للمصالح؛ لذلك فإن مرحلة المراجعات التي أعلنها الرئيس التركي ستشهد عودة لسياسة تصفير المشاكل، والبداية مع الأكراد”.
وأضاف: إن “التواصل مع أوجلان في هذه المرحلة عملية التفاف على مشكلتين معقدتين لهما العنوان نفسه؛ مشكلة التهديد الكردي في الداخل والتهديد القادم من الحدود السورية”، مبيناً أن “العلاقة التي تربط حزب العمال وحزب الاتحاد الديمقراطي -المكون الرئيسي لقوات سوريا الديموقراطية- تؤهل مثل هذه المفاوضات لاستيعاب التهديدات”.
وتابع عبد العزيز: إن “هذه الخطوة ستنعكس في خريطة التحالفات الإقليمية”، موضحاً أن “أمريكا التي تدعم علناً أكراد سوريا وهو ما أثر في علاقتها مع أنقرة، ستجد في تفاهم الأخيرة مع غرمائها مخرجاً لتناقض سياساتها تجاه تركيا؛ وهو ما سيزيل عقبة من عقبات التوتر التي أثرت بقوة على الاقتصاد”.
وسياسة “تصفير المشكلات” طرحها وزير الخارجية التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو، في كتابه “العمق الاستراتيجي”، الصادر عام 2001، وتقوم على فكرة بناء علاقات إقليمية تقوم على الاحترام المتبادل، والحوار، والتعاون الاقتصادي، وحلّ الخلافات بالطرق السلمية، واستيعاب التنوع العرقي والديني.
الانتخابات وتصحيح المسار
من جهته رأى جواد غوك، المحلل السياسي التركي، أن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية ما هي إلا “مناورة سياسة” مرتبطة بإعادة الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول.
وقال غوك لـ”الخليج أونلاين”: إن “حزب العدالة والتنمية بعد قرار إعادة الانتخابات البلدية في أمس الحاجة لأصوات الأكراد للفوز بالانتخابات، لذلك أنا أعتبر هذه الخطوة لعبة سياسية لا صلة لها بإعادة القضية الكردية إلى المسار السياسي”.
ولم يستبعد المحلل السياسي التركي أن تفكر الحكومة في العودة إلى المسار السياسي مع الأكراد، لكن ليس في هذه المرحلة، من وجهة نظره؛ وقال بهذا الخصوص: إن “حزب العدالة والتنمية سيجري مراجعات بعد الانتخابات، بسبب ما طرأ على خريطة مؤيديه من تغيير بحسب نتائج الانتخابات، وستكون القضية الكردية جزءاً من هذه المراجعات، وهذا سيكون على المدى المتوسط، ولا يمكن ان يتحقق بالمدى القريب”.
وأضاف: “هم يراجعون الأخطاء التي وقعوا فيها وأدت إلى تراجع بعض القواعد الشعبية عن مساندتهم”.
غوك ألمح إلى أن “النواب من أصول كردية داخل حزب العدالة والتنمية يضغطون باتجاه محاولة تصحيح هذا المسار، ولكن الثقة الشعبية تزعزعت، وإعادة هذه الثقة تحتاج إلى زمن”.
وتابع حديثه بالقول: إن “ما يجري في الداخل التركي لايمكن فصله عن مجريات الأحداث في المنطقة؛ فمعركة إدلب وضعت التقارب الروسي التركي على المحك، وضغوط أمريكا وتهديدها بالعقوبات جعلت الحكومة التركية تعيد حساباتها”.
وختم بالقول: إن “الاقتصاد التركي في أزمة ولن يتحمل عقوبات قد تفرضها واشنطن”، مضيفاً: “لذلك توصل تركيا لحل سياسي مع حزب العمال سيعني استيعاب الخطر الكردي على الحدود بالطرق السياسية بدلاً عن العسكرية، ومن ثم هذا الأمر سيحيد الورقة الكردية من أيدي المتصارعين ويمنع استخدامها ضد تركيا”.