أكرم إمام أوغلو يسير على طريق الرئيس أردوغان.. فهل يصل لمقعد رئاسة الجمهورية التركية؟
حاز أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول الحالي على شعبية كبيرة خلال الانتخابات البلدية التي أجريت مؤخراً وفاز فيها على مرشح أقوى الأحزاب التركية “حزب العدالة والتنمية” بن على يلدريم، ويتواصل النقاش حول احتمال وصوله لمنصب رئيس الجمهورية التركية في المستقبل.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي والخبير بالشأن التركي “سعيد الحاج”: “أعتقد أن هناك مقاربة مبالغ فيها بخصوص مقارنة مسيرة أكرم إمام أوغلو بمسيرة أردوغان”.
وأردف المحلل السياسي في حديث لـ “وكالة قاسيون” رصدته الوسيلة: “أن الاثنين أتوا من رئاسة بلدية اسطنبول وكلاهما كانا شباب ومقبولين وبالتالي فإن هذه فرصة لأكرم إمام أوغلو أن يكون رئيساً في المستقبل كما أصبح أردوغان رئيساً للجمهورية التركية”.
وتابع السياسي التركي: “أعتقد أن الفارق بين الشخصيتين كبير وكبير جداً ولذلك لا أرى أن إمام أوغلو بالضرورة سيكون رئيساً مستقبلياً لتركيا بل على العكس لا أرجح ذلك”.
وأوضح سعيد الحاج ذلك بالقول: “أولاً: إن السياق مختلف تماماً، العدالة والتنمية أتى في مرحلة انسداد سياسي، وإفلاس اقتصادي، فكفر الناخب التركي بكل الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة وبحث عن البديل والجديد، ووجد هذا في أردوغان ورفاقه بينما الحالة الآن ليست بهذه الصورة”.
وأضاف الحاج: “بالعكس، رغم تراجع حزب العدالة والتنمية لكنه مازال الأول والأقوى والأفضل على الساحة بالنسبة لعدد كبير من شرائح الناخبين الأتراك وبالتالي ليس هناك ظروف لاستبداله بحزب الشعب الجمهوري”.
وأكمل الحاج: “الأمر الثاني: أن حزب الشعب الجمهوري الذي رشح أكرم إمام أوغلو رصيده لدى المجتمع التركي لا يزيد عن 35 بالمئة”.
وقال: “وعندما وصل أكرم إمام أوغلو لرئاسة بلدية اسطنبول كان ذلك بتكتل كبير من أحزاب المعارضة التركية لا يضمن أحد أنه سيستمر على المدى البعيد”.
ولفت إلى أن “هناك عقبة أمام إمام أوغلو داخل حزبه فهو يتعرض لمنافسة داخل حزبه فعندما برزت شخصيات بالحزب أطيح بها وسيسمح لإمام أوغلو بسقف معين”.
وأشار إلى أنه “حتى ينجح إمام أوغلو على المستوى الوطني ينبغي أن يحقق إنجازات كبيرة وهذا غير مضمون أولاً لأن إمكانياته ليست بإمكانيات أردوغان، ولأنه لا يملك أغلبية في مجلس بلدية اسطنبول وحزب العدالة والتنمية قادر على إفشاله وإبطاء عمله”.
وختم الحاج قائلاً: “إمام أوغلو شخصية استطاعت البروز مؤخراً لكن مازال من المبكر جداً الحديث عن أنه سينافس أردوغان على رئاسة الجمهورية”.
من هو أكرم إمام أوغلو
لكن من هو أكرم إمام أوغلو الذي كان قد تمكن من انتزاع إدارة المدينة التي بقيت في يد أردوغان منذ عام 1994؟
يعتبر أكرم إمام أوغلو من النجوم الصاعدين في سماء السياسة التركية، وينتمي إلى جيل الشباب نسبيا بعكس قيادة حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه ويتزعمه كمال كليجدار أوغلو البالغ من العمر 71 عاماً.
بدأت مسيرة أردوغان السياسية من مدينة اسطنبول عام 1994، عندما انتُخب رئيسا للبلدية مرشحا عن حزب الرفاه الاسلامي، بزعامة نجم الدين أربكان، الذي تم حله لاحقاً ودخل أردوغان السجن لعدة أشهر، ومُنع من تولي منصب حكومي بعد إلقائه قصيدة دينية في مهرجان خطابي.
كذلك بدأ إمام أوغلو مسيرته السياسية من هذه المدينة.
وتولى حزب الفضيلة الإسلامي الذي ورث حزب الرفاه رئاسة بلدية المدينة حتى عام 2004. وكان حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان قد وصل إلى الحكم في تركيا عام 2002، فعادت المدينة إلى إدارة حزبه منذ 2004، أي أن المدينة لم تخرج عن سيطرة الأحزاب ذات الميول الإسلامية منذ ربع قرن.
لهجة تصالحية
بعكس الخطاب الحماسي والصدامي لأردوغان، تحدث إمام أوغلو أمام أنصار حزبه في المدينة موجها كلامه لأنصار أردوغان، بعد إعلان لجنة الانتخابات عن تقدمه بفارق بسيط على مرشح أردوغان من العيار الثقيل بن علي يلدريم، رئيس الوزراء ورئيس البرلمان سابقا. وقال إمام أوغلو “إن العملية يجب أن تجري بإحترام وتفاهم وبالحوار متبادل، وأدعو رئيسي رجب طيب أردوغان إلى إبداء منتهى الحرص في هذا المجال، وتخفيف التوتر خدمة لمصلحة الوطن والمنطقة. وأرجو التوصل إلى حل عادل بأسرع وقت ممكن، وتلافي إلحاق الضرر بسمعة تركيا دوليا”.
وحضر إمام أغلو صلاة الغائب على أرواح ضحايا هجوم كرايست تشيرتش في نيوزيلندا قبل أشهر، وقرأ بعض الآيات القرآنية. وهذا يناقض تماما الصورة النمطية عن حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي العلماني.
وإمام أغلو من مواليد مدينة طرابزون شمالي تركيا عام 1970، وخريج كلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول، وينحدر من أسرة متدينة ومحافظة من الناحية الاجتماعية لكن لها تاريخ طويل في العمل السياسي، فوالده مؤسس فرع حزب الوطن الأم بزعامة رئيس وزراء تركيا الراحل تورغوت أوزال في طرابزون.
واعترف إمام اوغلو بأنه ينحدر من أسرة محافظة، لكنه أصبح أكثر تحرراً وتبنى القيم الديمقراطية الاجتماعية خلال مرحلة دراسته الجامعية.
إقرأ أيضاً: وزير تركي يحسم الجدل حول منح الجنسية التركية للأطفال المولودين في تركيا
ولم ينخرط في العمل السياسي حتى عام 2008، وهو عام انضمامه إلى حزب الشعب الجمهوري. وبعدها بعام فقط انتزع إمام أوغلو رئاسة بلدية حي بيليكدوزو في القسم الأوروبي من اسطنبول من حزب العدالة والتنمية.
استثمار النجاح
واستغل حزب الشعب الجمهوري الأداء الجيد لإمام أوغلو في إدارة حي بيليكدوزو خلال الأعوام الخمسة الماضية، فرشحه في الانتخابات الأخيرة لرئاسة بلدية اسطنبول التي تضم أكثر من عشرة ملايين ناخب و16 مليون نسمة.
وزار زعيم الحزب، كليجدار أوغلو، منزل حسن إمام أوغلو، والد أكرم، في طرابزون في 13 دسبمبر/كانون الأول 2018، ومازحه بقوله “جئنا نخطب يد ابنك” عند الإعلان رسمياً عن تسمية أكرم مرشحاً للحزب لرئاسة بلدية اسطنبول.
فرد عليه حسن إمام أوغلو بقوله: “لقد سبق وأن أخذت بنتا من آغجا آبات (أحد أحياء مدينة طرابزون) ونعطيك الآن شاباً أيضاً”.
وخاض إمام أغلو حملة انتخابية منذ ذلك الوقت بجدارة وحكمة، متفاديا إثارة الانقسام واستفزاز الناخبين. ولجأ إلى خطب ود مختلف قطاعات الناخبين.
وكان يتوجه الى الناخبين في الأحياء التي تعتبر معقل حزب حزب العدالة والتنمية، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في مسعى لكسب ود المواطنين العاديين. وفي المقابل، كان أردوغان يخوض الحملة الانتخابية شخصيا نيابة عن حزبه، لدرجة أنه ألقى ثمانية خطابات أمام الناخبين في اسطنبول في آخر يوم من الحملة الانتخابية.
ورغم تفادي حزب أردوغان، المتحالف مع حزب الحركة القومية التركي المتشدد، استفزاز الناخبين الأكراد خلال الحمة الانتخابية، لكن هذا التحالف كان كفيلاً بخسارة الصوت الكردي لصالح إمام أغلو بكثافة. وقد امتنع حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد عن تقديم مرشحين له في اسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن الكبرى التي لا يمثل الأكراد فيها غالبية السكان، وبالتالي ذهبت أصواتهم للمعارضة.