بلا تصنيف

نخاف الإنجاب في هذا المكان الآن.. سوريات يتحدين ضغوط المجتمع السوري ويرفضن الأمومة

تناول تقرير لموقع قناة بي بي سي عربي مسألة غاية في الأهمية يتداولها سوريون سواء في جلساتهم أو عبر مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي حول الجدوى من تأسيس أسرة وإنجاب أطفال في ظل الخوف من المستقبل وفي وقت لا يزال إحصاء الخسائر البشرية والمادية فيه مستمراً منذ أكثر من 8 سنوات حتى اليوم.

وأشار الموقع بحسب ما رصدت الوسيلة إلى أن الحديث قد لا يكون حول هذا الموضوع بشكل علني سهلاً على الدوام في المجتمع السوري حيث تحتل الأسرة مكانة غاية في الأهمية، وتبقى الوظيفة الإنجابية للمرأة من أهم الأدوار المتوقعة منها.

لكن، وفق الموقع، فإنه لا يصعب العثور على فتيات ونساء متزوجات يتشاركن بتلك المخاوف، ويعتقدن بأنه لا بأس من رفع الصوت بشأنها رويداً رويداً: نعم المجتمع يريدنا زوجات وأمهات، لكننا نخاف ذلك بل ونرفضه بعد أن عشنا كل هذه الحرب القاسية.

مخاوف الأزواج

وعبرت نهى ابراهيم 31 عاماً داخل أحد المقاهي في دمشق عن مخاوفها هي وزوجها من إنجاب طفل في سوريا، وهي مخاوف كانا يتشاركانها منذ فترة الخطوبة وحتى بعد استمرار عام على زواجهما اليوم.

وأشارت ابراهيم إلى أن هذه المخاوف ترتبط بالظرف العام الذي تعيشه سوريا، وقلقها الدائم من المستقبل فيها، ومن قدرتها على تأمين حياة كريمة ومستوى تعليمي جيد لطفلها المحتمل مع تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة السورية، وأيضاً على تربيته وزرع القيم فيه ضمن “مجتمع منهار وتطرّف يملأ الأرجاء.

وأكدت نهى أنها لا ترفض فكرة الإنجاب بشكل مطلق.

وأضافت: “لكنني لن أقدم على ذلك هنا، ولن أخلق طفلاً وأربيه إلا خارج هذه البقعة من العالم. هو الحل الأمثل بالنسبة لي ولزوجي”.

هذه البقعة الجغرافية، أي الوطن، تثير كذلك الكثير من الأسئلة لدى نورا علي، حول إمكانية إنجاب طفل في بلد تراه غير مستقر ومجتمع غير متوازن سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو التربوي، والأهم ربما هي الحرب التي عاشتها وتخشى أن تمرّ على طفلها المحتمل من جديد وبنفس فصول القسوة والبشاعة.

وعن الأسباب الأخرى التي تدفع الفتاة الثلاثينية والتي تعمل كباحثة اجتماعية في دمشق للتفكير بهذه الطريقة، وتتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما يقلقها بشأن تأمين تعليم جيد لأبنائها المستقبليين مع عدم جودة التعليم الحكومي المجاني وارتفاع أسعار التعليم الخاص بشكل يفوق قدرتها.

وتضيف نورا: “أعتقد بأنني قد أضطر للمفاضلة بين منح أولادي حياة بمستوى رفاهية معقول، وبين متابعة مسيرتي المهنية والعلمية كما أحب، وهي تستلزم مني أيضاً جهداً ومالاً كبيرين”.

موقف آخر من الأمومة

تعتقد رهف اسطنبلي (23 عاماً) ، بأنها إن أنجبت طفلاً في سوريا اليوم، فلن يكون قادراً على مسامحتها عندما يكبر.

وترى الفتاة التي تعيش باللاذقية وتعمل بالتسويق مع مبادرة “الباحثون السوريون”، أن لذلك أسباب عديدة، ومنها حملها جواز السفر السوري “الذي لا يكفي سوى للسفر بين المحافظات داخل البلاد”، في إشارة منها لتراجع مرتبته عالمياً بعد سنوات الحرب، حيث بات السوريون مضطرين للحصول على تأشيرات دخول لمعظم بلدان العالم، وهو إجراء صعب للغاية ومستحيل في كثير من الحالات.

وأوضحت رهف بعض تعقيدات الحياة اليوم في سوريا خاصة بما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية المتردية التي تُجبر الشباب على الوصول لسن الثلاثين وهم يبحثون عن فرصة عمل لائقة. وفق آخر الأرقام الرسمية الصادرة منذ حوالي عامين، تلامس نسبة البطالة حدود الأربعين بالمئة من القوة العاملة.

وان كل ذلك يدفع تلك الفتاة إلى عدم المشاركة في عيش أطفال سوريين جدد، دون ذنب، وبنفس التجارب القاسية والظروف القاهرة التي عاشها جيل الحرب الذي تنتمي إليه, وفق تعبيرها.

وتبين رهف أن كلامها لا يعني انتفاء “غريزة الأمومة” لديها، لكن الحرب على ما يبدو جعلت الفتاة، كما العديد من الفتيات والنساء اللواتي أقابلهنّ بشكل يومي، تعيد التفكير ألف مرة بمفهوم تلك الغريزة ومكانها في حياتها وسط ضجيج الحرب والدمار.

الزواج وتأسيس أسرة

نورا علي، عمرها 31 سنة و12 يوم، وهذا العمر بدأ يدفع عائلتها للإلحاح على أن تتزوج وتكوّن أسرة بغض النظر عن قلقها الشخصي من الفكرة, بحسب ما ذكرت.

“وتضيف: للأسف مجتمعنا لا يعترف بأحلام وطموحات الفتاة، ويرى الزواج فرصة وليس حياة مشتركة”.

كما أنها لا تنفي بأن تضطر في نهاية المطاف لمواجهة كل مخاوفها، والزواج وإنجاب الأطفال والاستمرار في الحياة داخل البلاد.

وتختلف آراء المجتمع بالنسبة لنهى ابراهيم وزوجها، بما يخص خيارهما عدم الإنجاب حالياً، فعائلتاهما تحاولان إقناعهما بالإقدام على هذه الخطوة في أقرب وقت، وبعض الأفراد في محيطهما يدعمانهما في حين يعارضهما آخرون ممن يعتبرون الأسرة “سنّة الحياة”.

وترفض نهى وزوجها أي تدخل فهذا أمر يتعلق بهما وحدهما ويعيان بنفس الوقت كون هذه الفكرة غير سائدة بعد على نطاق واسع في المجتمع السوري الذي لا يعترف بفكرة عدم الإنجاب على الإطلاق مهما كانت الظروف.

وتضرب مثالاً على ذلك باستمرار آلاف العائلات بالإنجاب حتى في أقسى وأخطر أيام الحرب التي عاشتها معظم أرجاء البلاد.

إقرأ أيضاً: عالم سري على فيسبوك.. نساء سوريات يكشفن أسرار حياتهن بعيداً عن أعين الرجال!

بينما تقول رهف اسطنبلي، والتي ربما لم تصل بعد للسن الذي تبدأ فيه ضغوط المجتمع باتجاه الزواج وتشكيل الأسرة، بأنها لن تكترث كثيراً بآراء من حولها، وقد تفكر يوماً بتبني طفل أو أكثر، كخيار لرفضها فكرة الإنجاب، وفي الوقت نفسه لمساعدة آلاف الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم ومنازلهم في فترة الحرب.

وتعتبر اسطنبلي التحدي بالنسبة لها مضاعفاً مع عدم شيوع فكرة التبني أيضاً في سوريا، لكنها تؤكد بأنها جاهزة لمواجهته.

وتضيف: “نحتاج لتغيير نظرة المجتمع تجاه الكثير من المفاهيم التي تبدّلت بالنسبة لنا بعد الحرب. الأمر ليس سهلاً بالطبع، وقناعتي بأفكاري تدفعني لتبنيها حتى النهاية”.

زر الذهاب إلى الأعلى