صحيفة بريطانية تكشف أسباب ملاحقة حكومة أردوغان لـ “اللاجئين السوريين”
نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا أعدته مراسلتها في إسطنبول حنا لوسيندا- سميث وشادي الترك، يقولان فيه إن الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا يتعرضون للملاحقة.
ويشير التقرير وفق ما ترجمه موقع “عربي21” ورصدته الوسيلة، إلى أن هذه الملاحقة محاولة من الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” لاستعادة الشعبية في المدينة التي خسروها في الانتخابات البلدية الأخيرة.
ويلفت الكاتبان إلى محمد وردة الذي فر من الحرب السورية، ولم يمض على إقامته في تركيا أقل من شهر عندما دقت الشرطة على باب الملجأ الذي كان يعيش فيه في إسطنبول.
وتنقل الصحيفة عن وردة (27 عاما)، قوله: “لقد اعتقلوا كل شخص لا يحمل إقامة رسمية”، وأضاف وردة، الذي هرب من العنف المتزايد في بلدته جسر الشغور: “لقد أخذونا إلى مركز الشرطة، ومن ثم إلى مركز ترحيل ونقلونا إلى الحدود، وأعطوا مقتنياتنا الشخصية كلها إلى المعارضين المسلحين، وأرسلونا إلى المنطقة المقابلة من الحدود، والوضع سيئ”.
ويذكر التقرير أن وردة عاد بعد أقل من أسبوعين على ترحيله إلى بلدته جسر الشغور، التي تسيطر عليها جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وتقع على خط المواجهة مع نظام الأسد والروس، حيث قتل حوالي 500 شخص منذ بداية المعركة على المدينة.
تحول في سياسة أنقرة تجاه السوريين
وينوه الكاتبان إلى أن هناك أعدادا لا تحصى من اللاجئين السوريين يتحدثون عن القصص ذاتها، ما يعبر عن تحول في سياسات أنقرة تجاه الـ3.5 مليون لاجئ سوري، الذين استقبلتهم منذ بداية الحرب عام 2011، مشيرين إلى أن الرئيس أردوغان، الذين كان مدافعا متحمسا عن اللاجئين، تحول إلى متشدد تجاههم، و”صقر”؛ في محاولة منه لإحياء شعبيته في الداخل.
وتبين الصحيفة أنه من الناحية الرسمية فإن تركيا تدير نظام “العودة الطوعية”، الذي يقوم من خلاله السوريون بالتخلي عن وضع الحماية المؤقتة الذي يتمتعون به ويعودون إلى المنطقة التي تبلغ مساحتها 1500 ميل مربع في شمال سوريا، وتسيطر عليها تركيا والجماعات المسلحة الموالية لها.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين الأتراك، قولهم إن هناك ما يقرب من 347 ألف سوري قرروا العودة، مشيرا إلى أنه في 22 تموز/ يوليو، وهو اليوم الذي اعتقل فيه وردة، فإن والي إسطنبول أعلن أن أي لاجئ سوري غير مسجل يجب أن يغادر بحلول 20 آب/ أغسطس، وتم ترحيل حوالي 2630 لاجئا، ونقل عدد كبير منهم إلى محور الحرب، في خرق واضح للقانون الدولي.
ويشير الكاتبان إلى أن وزير الهجرة التركي رمضان سيليمش، أكد أن تركيا بلد “يرحب” بالسوريين، وأن “العودة هي طوعية وفقط لمنطقتين (يديرهما الجيش التركي)”، وأضاف: “لا نقبل بمزاعم أخرى”.
وتقول الصحيفة إنها جمعت أدلة عدة من أصدقاء وأقارب الذين تم ترحيلهم، مثل وردة، إلى منطقة إدلب، التي لا تخضع للسيطرة التركية، مشيرة إلى أن هناك مكالمات هاتفية بين جماعة المساعدة القانونية والسوريين في مراكز الاعتقال تكشف عن آلية الترحيل.
وبحسب التقرير، فإنه يتم نقل المعتقلين أولا إلى مركز الشرطة، وبعد ذلك لمراكز الاعتقال حول إسطنبول، ومن هناك ينقلون بالحافلات في رحلة طولها 500 ميل إلى الحدود السورية، وفي مجموعات من 100 شخص لكل واحدة، وتتم عملية الترحيل كل ثلاثاء وخميس أسبوعيا.
إقرأ أيضاً: صحيفة أمريكية تكشف عن خطة تركيا لترحيل مئات آلاف السوريين!
ويكشف الكاتبان عن أنه يجب على المرحلين التوقيع على وثائق يؤكدون فيها موافقتهم على العودة الطوعية، إلا أن الكثيرين يقولون إنهم أجبروا على التوقيع، أو أنهم لم يفهموا ما كتب في الورقة، وقال أحدهم: “لم أوقع، وأي شخص جاء هناك تم ترحيله في النهاية.. أحيانا تجبرك الشرطة على وضع بصمتك على الورقة”.
وتلفت الصحيفة إلى أن من بين الذين تم ترحيلهم شخصا يعترف بأنه مثلي، ونقل الآن إلى منطقة يسيطر عليها المتشددون، فيما قال آخرون إنهم رحلوا رغم حيازتهم لتصاريح إقامة في مدن أخرى.
وينقل التقرير عن الحكومة التركية، قولها إن الإعلان الجديد في إسطنبول هو بالضرورة لتخفيف الضغط على المدينة، التي تستقبل أكبر عدد من اللاجئين السوريين في تركيا، مشيرا إلى أن هناك حوالي 550 ألف سوري سجلوا أسماءهم، وربما زاد العدد إلى مليون شخص، ومعظمهم لا يحملون رخصا للعمل، وعادة ما يعملون بطريقة غير قانونية في مطاعم ومصانع المدينة.
محاولة لاستعادة الشعبية المفقودة في اسطنبول
ويرى الكاتبان أن عملية الملاحقة هي محاولة من أردوغان لاستعادة شعبيته بعد سيطرة المعارضة على عاصمة التجارة في البلاد بعد انتخابات حزيران/ يونيو، مشيرين إلى أن استطلاعا أظهر أن 40% من الأتراك راضون عن بقاء السوريين في المدينة، مقارنة مع نسبة 72% عام 2016.
وتورد الصحيفة نقلا عن صاحب محل هواتف، اسمه مديني شاهين (42 عاما)، قوله عن اللاجئين السوريين: “لا يمكنهم الاندماج في القانون والثقافة التركية”، وأضاف شاهين، الذي يعمل في أقصراي حيث تعيش غالبية السوريين: “أصبحت الحياة صعبة هنا؛ لأنهم يتدفقون من أنحاء تركيا كلها، ولا توجد بيوت أو عمل، وخسر أردوغان الانتخابات بسبب هذا الأمر”.
ويفيد التقرير بأنه في محاولة للحفاظ على صورته كونه منافحا عن المسلمين واللاجئين في العالم العربي، فإن المساعدين له يقومون بخنق التقارير عما يحدث في إسطنبول، ويقوم بالتأكيد للأتراك المتذمرين من السوريين بأنهم سيعودون إلى بلادهم.
وينوه الكاتبان إلى أن عددا من المواقع الناطقة بالعربية والصحف المقربة من الحكومة نشرت تقارير تلمح إلى أن عملية الملاحقة ضد اللاجئين السوريين أمر بها عمدة المدينة الجديد إمام أكرم أوغلو، مؤكدين أن من يشرف على هذه الحملة هي الحكومة المركزية.
اتهام المعارضة بالتحريض على اللاجئين
وتذكر الصحيفة أن مستشارا لأردوغان اتهم في مقال رأي المعارضة بأنها تحرض ضد اللاجئين السوريين، مشيرة إلى أن أردوغان يحاول في داخل سوريا تقديم نفسه على أنه مدافع عن المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، مع أنه قام بإخضاعها لتساعده على توسيع مناطق سيطرته في شمال سوريا.
ويشير التقرير إلى أن أنقرة تأمل بعودة سريعة للاجئين السوريين، بعدما اتفقت مع الولايات المتحدة على إنشاء منطقة عازلة، يتم من خلالها توسيع سيطرة تركيا على المناطق الحدودية، بحيث يمتد الشريط الآمن على مساحة 280 ميلا على الحدود، و30 ميلا في محور الحرب، ما يعني مضاعفة المناطق الخاضعة لأنقرة داخل سوريا.
ويقول الكاتبان إنه في الشوارع الخلفية لمنطقة أقصراي يعرف كل سوري مقيم فيه شخصا أو أشخاصا تم ترحيلهم في الأسابيع الماضية، مشيرا إلى أن من لا يحملون أوراقا رسمية يحاولون تجنب نقاط الشرطة أو البقاء في البيوت.
إقرأ أيضاً: الداعية السوري محمد راتب النابلسي يخاطب الشباب السوري في تركيا (فيديو)
وتنقل الصحيفة عن أسيد درويش (22 عاما)، الذي جاء من بلدة سراقب في إدلب قبل عام، قوله إنه يجد صعوبة في الحصول على تصريح إقامة، ويعلم، مثل غيره، عن أشخاص تم ترحيلهم، وأضاف: “تم القبض على صديقي يوم أمس دون كيليك (أي تصريح).. نقل إلى مركز ترحيل ولا أعلم ماذا حدث له”.
وبحسب التقرير، فإنه منذ عام 2015 بات الحصول على تصريح معقدا، خاصة أن مسؤولية إصدار التصاريح نقلت من الشرطة إلى وزارة المهاجرين.
وتختم “التايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه عادة ما تعقد البيروقراطية حياة اللاجئين، فمنح رجل مثلا إقامة، أما زوجته وأولاده فلا، ووجد عملا في مدينة أخرى سجلت فيها زوجته اسمها، لكنها لا تستطيع الحصول على أوراق الإقامة، ما يعرض حياتها للخطر.