السوريون في تركيا

“الكمليك” حكايات النصب والسمسرة والاحتيال

خاص الوسيلة – محمد أبو سالم:

منذ شهر تموز 2019، حين أعلنت السلطات التركية في اسطنبول، عن إجراءاتها الجديدة بحق اللاجئين السوريين غير الحاملين لبطاقة الحماية المؤقتة، أو من يحملونها من ولايات أخرى، ازادادت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات سماسرة يقولون إنهم قادرون على استخراج تلك البطاقات من ولايات مختلفة، مقابل مبالغ مالية، ومنهم من أدعى انه قادر على استخراجها من ولاية اسطنبول، التي سبق وأعلنت استحالة ذلك في أكثر من مناسبة.

الوسيلة، رصدت عدد من تلك الإعلانات عبر موقع فيسبوك، وتواصلت مع عدد من السماسرة، الذين أدعوا أنهم قادرون على اصدار بطاقة الحماية المؤقتة “الكمليك” من ولايات قريبة من اسطنبول، ككوجلي، وبورصة، رغم أن تلك الولايات أعلنت اكتفائها وعدم قدرتها على إصدار البطاقات، لتبحث عن حقيقة تلك المنشورات وتجارب اللاجئين السورين معها.

في المعلومات الأولية التي جمعها موقع الوسيلة، يحدد السماسرة قائمة الإسعار والشروط وفق الشكل التالي:

بطاقة حماية مؤقتة للعازب بتكلفة تصل إلى 2500 ليرة تركية

بطاقة الحماية المؤقتة لعائلة بغض النظر عن عدد أفرادها، 1200 للشخص الواحد.

يعرض السماسرة نقل العائلات والأفراد من أي منطقة في اسطنبول إلى مركز الأمنيات في الولاية المرغوب إصدار البطاقة منها، مع تحمل تكاليف النقل على اللاجئ السوري، بتكلفة تترواح بين 200 إلى 150 ليرة تركية.

يعد السماسرة اللاجئين بالحصول على وثيقة البطاقة في اليوم الأول، على أن يتم تسليم الكمليك الأصفر “الحراري” بعد شهر من ذلك، إلا أن الوسيلة ومن خلال تواصله مع عدد من اللاجئين السوريين في اسطنبول، والذين خاضوا التجربة، علم أن فترة الانتظار أمام مركز الهجرة “الأمنيات” قد يمتد إلى 8 ساعات، وقد لا يدخل اللاجئ في اليوم ذاته إلى المركز لتقديم بياناته.

إقرأ أيضاً: أسماء جديدة مرشحة للجنسية التركية تصل دوائر الهجرة

السماسرة، يصدرون مجموعة من الأوراق الرسمية المزورة، التي تطلبها إدارت الهجرة، أبرزها، عقد استئجار منزل -في ذات الولاية حصراً- فضلاً عن الأوراق الثبوتية السورية.

تلك الاوراق الرسمية هي ما تجبر اللاجئين على اللجوء إلى السماسرة رغم المبالغ المالية الكبيرة التي يتقاضونها، إذ قد يستحيل عليهم الحصول على عقد منزل بشكل سريع، مع ما يعنيه ذلك من تكاليف إضافية.

الولايات تتشدد

تحدث الوسيلة إلى عدد من السوريين الذين حاولوا الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة من ولايات قريبة من اسطنبول، أو حتى بعيدة عنها، وتفاجئ بعضهم بطلبات إدارات الهجرة، التي وصفوها بالتعجيزية، والتي تهدف إلى منع اللاجئين من العودة إلى اسطنبول.

يقول شهود تحدثنا معهم، أن ولاية أوروفا، رفضت منح الوثيقة الأولى، إلا بعد ثلاثة أشهر من التسجيل الأول، على أن يستمر اللاجئ بالتوجه إلى مركز أمني بشكل أسبوعي للتوقيع، كي تتأكد الولاية من تواجده فعلاً في حدودها الإدارية.

ولايات أخرى رفضت بشكل قاطع منح البطاقة إلا للعائلات، ما ترك كثير من الشبان غير المتزوجين والذين يعيشون وحدهم في تركيا، من دون قدرة على التسجيل والحصول إلى بطاقة الحماية المؤقتة.

كملك اسطنبول 5000 دولار

في مجموعات مغلقة على فيسبوك وواتس اب، تنتشر الإعلانات الأكثر جرأة، عن قدرة بعض السماسرة على إصدار بطاقة الحماية المؤقتة، صادرة من ولاية اسطنبول، وهو أمر شبه مستحيل إلا في حالات محددة جداً وفق وزارة الداخلية التركية.

الوسيلة تابعت تلك الإعلانات واكتشفت، أن علميات تزوير يتورط بها موظفون في إدارة الهجرة التركية، وسماسرة سوريون، يصدرون بطاقات حماية مؤقتة من دون أي قيد في النظام الإلكتروني التركي، ما يعرض اللاجئين لخطر الاعتقال بتهمة التزوير، وبالتالي الترحيل إلى الأراضي السورية.

الحالة الثانية، تكون فيها عمليات التزوير، ذات طابع شبه قانوني، إذ تزور الأوراق التي تمنح بموجبها الولاية البطاقة، كالمرض الشديد الذي يستحيل معه السفر، أو امتلاك شركة ورأس مال كبير، ثم التوجه إلى إدارة الهجرة لإصدار البطاقة بشكل قانوني.

في الحالتين، قال لنا السماسرة، إن التلكفة هي 5 آلاف دولار أمريكي، ولا نقاش حول المبلغ أو تقديمه بالعملة التركية المحلية.

اعتداء وسلب ونهب

مع الضغط الكبير الذي واجه شبان سوريون في اسطنبول، وقع بعضهم ضحايا عمليات نصب نفذها سوريون آخرون، وفق ما يروي مجموعة من الشبان لموقع الوسيلة.

اتفقت المجموعة مع سمسار على اصدار بطاقة الحماية المؤقتة من ولاية كوجلي القريبة من اسطنبول، وحددوا ساعة سيتم نقلهم فيها بسيارة خاصة من منزلهم في حي افجلر إلى الولاية، وهذا ما تم.

يقول الشهود إنهم انطلقوا عند الساعة 2 ليلاً وهو موعد حدده السمسار، وبعد ساعة من القيادة، فوجئ الشهود بدخولهم في طريق زراعي فرعي، واعتراضهم من قبل مجموعة من الرجال الملثيمن والمسحلين.

إقرأ أيضاً: أكرم إمام أوغلو: لن نترك السوريين لقدرهم أبداً

اكتشف الشهود إن السمسار الذي كان يقود السيارة، متفق مع المجموعة التي اعترضت الطريق، والتي اجبرتهم على الترجل من السيارة وتسليم هواتفهم وما معهم من مال، قبل تركهم في قارعة الطريق.

الحالة التي رصدها الوسيلة، ليست الوحيدة، إذا شارك عدد من السوريين تجارب مماثلة عبر فيسبوك وواتس أب، حذروا منها من عمليات النصب التي تعرضوا لهم، منبهين إلى عدم تصديق السماسرة، والتوجه بشكل فردي إلى الولايات لاصدار البطاقات.

أيام الآمان الأخيرة

قبل أيام من انتهاء المهلة التي اعطتها ولاية إسطنبول، للسوريين المخالفين في إسطنبول “تنتهي في 31 من تشرين الأول” تعود الصفحات والمجموعات الخاصة بالسوريين على فيس بوك، لتشهد نشاطاً متزايداً، من قبل سماسرة يعرضون استخراج بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بالسوريين، ودائماً بنصوص تخالف التعليمات الرسمية التركية بهذا الخصوص.

يعيش السوريون من غير حاملي بطاقة الحماية المؤقتة، او الذين يحملونها من ولايات أخرى، آخر أيام الأمان النسبي في إسطنبول، قبل انتهاء المهلة، وتساعد الشائعات الكثيرة بينهم على زرع جو من الخوف والترقب، فيما قالت وزارة الداخلية “الجمعة 18 تشرين أول” إن عدد من رحتلهم من السوريين من إسطنبول، وصل إلى قرابة 35 ألفاً، بين شهر تموز وتشرين الثاني من هذا العام.

ابتكارات سورية

على هامش الازمة التي عاشها السوريون في إسطنبول، منذ تموز، ابتكر سوريون طرقاً جديدة لتحقيق دخل إضافي، مستفيدين من الحالة الأمنية الجديدة التي فُرضت عليهم، أول ذلك كان سيارات الأجرة التي باتت تنقل السوريين بين المحافظات التركية، بعيداً عن الوسائل المحلية، كحافلات النقل ومراكز الانطلاق والمطارات، التي يًطلب فيها من السوري إذن السفر، أو قد يتعرض للتوقيف والترحيل.

الوسيلة رصد إعلانات يومية، ترشد السوريون إلى سيارات تنطلق من إسطنبول إلى عدة ولايات، أبرزها بورصة وعنتاب وأوروفا وأزمير، بتكاليف تختلف من ولاية إلى أخرى.
أبو عدي، أحد السوريين الذين اشتغلوا في المهنة الجديدة، حيث يقول إنه عمل على خط “إسطنبول بورصة لأكثر من شهر، بواقع رحلتين يومياً، ينقل فيها عائلات وشبان بعيداً عن أعين الشرطة، التي نادراً ما توقف السيارات الخاصة، بعكس حافلات النقل العام.

إقرأ أيضاً: باللغة العربية.. رسالة من أردوغان إلى عائلة سورية في تركيا

في المقابل، لا يزال سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يعرضون أثاث منازلهم في إسطنبول للبيع، ويعرضون منازلهم أمام المستأجرين الذين لا يرغبون في دفع مبالغ “الكمسيون” للمكاتب العقارية، في ابتكار يساعد السوري فيه السوري، لتجاوز عقبة السماسرة والدلالين.

زر الذهاب إلى الأعلى