أخبار سوريا

كورونا تشل مدينة دمشق.. وتدب الخوف بين السوريين!

بين ليلة وضحاها، وجد الحاج أحمد نفسه مضطرا لإغلاق باب رزقه وسط دمشق لأجل غير مسمى، في خطوة لم يقدم عليها طيلة سنوات الحرب التسع، لكن فيروس كورونا المستجد لم يترك له ولكثيرين مثله خيارا.

وفي دمشق القديمة، يفتقد سوق الحريقة رواده، بعدما أغلق أصحاب المحال أبوابهم، وغطوا بسطاتهم، التزاما بإجراءات الحكومة للتصدي لوباء كورونا مع تسجيل البلاد 5 إصابات رسميا حتى الآن.

ومطلع الأسبوع، أبلغ أحمد (59 عاما) الموظفين في محله لبيع الأقمشة بضرورة التزام منازلهم، وحضر للمرة الأخيرة قبل يومين لدفع رواتبهم قبل أن يغلق لأجل غير مسمى.

ويقول أحمد: ”خلال الحرب، مررنا بظروف قاسية، ومع سقوط القذائف كنا نشعر بالخوف ونغلق أبواب محالنا، لكن سرعان ما نعاود فتحها في اليوم نفسه“.

وأضاف ”لم أشهد طيلة حياتي إغلاقا للأسواق والمحلات لأيام متتالية كما يجري حاليا بسبب فيروس كورونا“.

وبعدما كان سوق الحميدية المغطى المجاور والأكثر شهرة في المدينة، يضيق بقاصديه ويضج بأصوات الباعة، بات شارعا مقفلا، تقتصر الحركة فيه على عابرين مسرعين يرتدون كمامات أو عمال يعقمون أنحاءه، وفي نهاية السوق، بدت أبواب المسجد الأموي العريق موصدة بالكامل في مشهد لم يألفه الدمشقيون.

ورغم أن عدد الإصابات لم يتخط أصابع اليد الواحدة منذ الإثنين بحسب الأرقام الرسمية، إلا أن الحكومة اتخذت بشكل متسارع سلسلة إجراءات وصفتها بالاحترازية في الأسبوعين الأخيرين لمواجهة الفيروس، تضمنت إعلان حظر تجول ليلي، في سابقة لم تحصل خلال سنوات الحرب، وكذلك وقف وسائل النقل العام وإغلاق المدارس والجامعات والحدائق العامة والمقاهي والمسارح والصالات الرياضية والأسواق ودور العبادة، وشمل قرار الإغلاق المؤسسات الرسمية وتقليل عدد الموظفين فيها.

وجلس أحمد على كرسي خشبي قرب محله في انتظار قدوم الموظفين مراقبا المارة النادرين، ويقول: ”ربما نحن مقبلون على حرب من نوع آخر“.

وبعد إقفال محله، يقول بحسرة: ”لا أدري كيف سنعيش دون عمل“.

ويرزح 80% من السوريين تحت خط الفقر في ظل موجة غلاء وانتشار البطالة وتدهور قيمة العملة المحلية بفعل سنوات الحرب.

في خطر

وتسببت الحرب التي دخلت عامها العاشر بمقتل أكثر من 380 ألف شخص، وأدت إلى تشريد وتهجير أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، كما دمرت البنى التحتية واستنزفت الاقتصاد وأنهكت القطاعات المختلفة، ومنها القطاع الصحي.

ومع فرض حظر تجول ليلا، تبدو الشوارع مقفرة وتفتقد المقاهي روادها في وقت تسطر الأجهزة الأمنية محاضر ضبط بحق المخالفين.

وخلال ساعات النهار، ينهمك عمال في دمشق كما في سائر المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، في تعقيم الأماكن العامة وواجهات المحلات، بينما تراجعت حركة السيارات إلى حد كبير.

ومقابل الجامع الأموي، خلت باحة كبرى إلا من بعض المارة، بعدما كانت المنطقة واحدة من أكثر الأماكن ازدحاما داخل دمشق القديمة.

ويتوجه مصطفى الحلقي (24 عاما) بخطوات متسارعة، مرتديا كمامة زرقاء وقفازين أبيضين، إلى صيدلية للتزود بمزيد من المواد المعقمة والأقنعة.

ويشرح الطالب في اختصاص الهندسة في جامعة دمشق كيف أن المدينة رغم الموت والقذائف والرصاص الطائش بقيت تعيش بحيوية ونشاط، وسرعان ما كانت تعود للحياة بعد أي حادثة، أما اليوم ومع فيروس كورونا، فالمدينة مشلولة بالكامل.

ويخشى أن يكون الفيروس الذي تجد أنظمة صحية كبرى في العالم صعوبة في التعامل معه، أكبر من إمكانيات الحكومة السورية

معركة شرسة

وتضررت المنشآت الصحية بشكل كبير في سوريا خلال سنوات الحرب، وبحسب منظمة الصحة العالمية، بقي قرابة 60% من المستشفيات قيد الخدمة نهاية العام الماضي، بينما غادر نحو 70% من العاملين الصحيين البلاد.

وفي محاولة لتعويض النقص في الكادر الطبي، أنشأ الطبيب حسين نجار (37 عاما) مع عدد من أصدقائه الأطباء ومتخصصين تطبيقا عبر الهاتف المحمول تحت مسمّى ”سماعة حكيم“، يمكن من خلاله لأي شخص أن يطرح أي سؤال حول فيروس كورونا، ويحصل على جواب علمي دقيق.

ويعتبر الطبيب الذي أجرى خلال سنوات الحرب أكثر من مئتي عملية جراحية وعاين المصابين بجروح في مشفى دمشق وسط العاصمة، أن ”المعركة مع الفيروس صعبة وشرسة كون العدو هذه المرة مجهولا ويهاجم بصمت“.

اقرأ أيضاً: فنانون سوريون عالقون في مطار اسطنبول يناشدون “بشار الأسد”.. شاهد!

لكنه يضيف ”لن نكون هذه المرة وحيدين كما كنا خلال سنوات الحرب، انطلاقا من أن هناك دولا تشاركنا خطوط الجبهات الأمامية، وسنستفيد من تجاربها“.

وينهمك حسين حاليا بالتواصل مع العشرات من زملائه الأطباء الموجودين في سوريا، في محاولة للتنسيق معهم حول المرحلة المقبلة، قائلا: ”المعركة مع كورونا معركة وجود شاملة“.

المصدر
أ ف ب
زر الذهاب إلى الأعلى