نهاد قلعي .. ذكرى رحيل الفنان الذي أبدع في أداء شخصية “حسني البورظان”
نهاد قلعي – بروفايل:
لايمكن للسوريين نسيان العبارة الشهيرة “إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل”.
هذه المقولة الشهيرة التي لم يخطّها أديب عالمي ذاع صيته، بل رددها فنان الكوميديا السوري نهاد قلعي الذي تصادف ذكرى رحيله 17 تشرين الأول.
مقولة “حسني البورظان” تلك التي ارتبطت بالشخصية التي عاشها مواليد الخمسينيات ورافقوا من خلالها ثنائي “نهاد ودريد”.
ودخلت البيوت كما القلوب وكبرت معها، هو “أحمد نهاد قلعي الخربوطلي” كما لايعرف الكثيرون ونهاد قلعي و”حسني البورظان” كما يعرفه ويستذكره الجميع.
يذكُر الجمهور العربي جيداً ملامح الفنان السوري نهاد قلعي، المولود في دمشق عام 1928، الذي ما زالت شخصيته المعروفة “حسني البورظان” حاضرة في الأذهان، كما يذكر مقالبه المضحكة مع رفيق إبداعه دريد لحام (غوار).
وذلك بعد أن ترك عمله في مهن مختلفة بعيدة عن التمثيل، منها “مراقباً في مصنع، ضارباً على الآلة الكاتبة في جامعة دمشق، موظفاً في وزارة الدفاع، ثم مخلّص معاملات في مديرية الجمارك العامة”
ليحل بعدها على عرش المسرح بعد أن أسس وأدار المسرح القومي السوري أواخر الخمسينيات بطلب من وزارة الثقافة، وهو أحد الذين أسسوا للحركة المسرحية العربية الحديثة.
ورافق نجاح قلعي في المسرح والتلفزيون نجاحاً سينمائياً بصحبة نجوم السينما العربية في الستينيات مثل (صباح وفريد شوقي ونادية لطفي) وغيرهم.
كما لم يكتفِ نهاد قلعي بالتمثيل إذ كان مخرجاً مسرحياً وكان كاتباً لنصوص عدة، وأكمل مسيرته الحافلة، بعد مـ.رضه وتحوّل إلى كاتب قصص للأطفال نشرها في مجلة “سامر”.
ومما يعرف عن حظ قلعي العاثر في الحياة، أنه كان يطمح بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية في القاهرة ونال قبولاً، لكنه تعرض لحادثة مزعجة، إذ سُـ.رقت نقوده فلم يتمكن من السفر.
اسم البورظان الذي أضحك ملايين الناس كان السبب في نهايته!
تعرض نهاد قلعي لحـ.ادث ضـ.رب على رأسه في شجـ.ار جعله جليس الفراش في حالة شـ.لل أوقفته عن إكمال مسيرته الحافلة.
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أي بعد تولي حافظ الأسد للحكم في البلاد بسنوات قليلة، جمع مطعم “النادي العائلي” في باب توما بدمشق، كلًا من قلعي وتوأمه الفني دريد لحام، والممثل والملحن السوري شاكر بريخان.
وكان الثلاثة في استقبال ضيفهم الصحفي اللبناني جورج إبراهيم الخوري، وفق ما ذكر الناقد السينمائي بشار إبراهيم في كتابه “سينما نهاد ودريد”.
وصدف أن رجلًا غريبًا سخر من قلعي، فشـ.تمه الأخير، ليُفاجَأ السينمائي والمسرحي القدير بضـ.ربة كرسي على رأسه، قبل أن يوسعه الرجل الذي اتضح أنه ضابط من سرايا الدفاع، ضـ.ربًا شديد القسوة.
وكانت سرايا الدفاع قوة عسكرية غير رسمية رديفة للجيش السوري، ويترأسها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، وارتكبت العديد من المجـ.ازر في ثمانينيات القرن الماضي بعد اندلاع ثورة في محافظة حماة.
توقفت “أسرة تشرين” عن عرض مسرحية “غربة” لأشهر بعد الاعـ.تداء الذي وقع على قلعي، وبعد صدور قرار الأطباء القاطع بمنعه من متابعة المسرحية، حل محله في العروض الممثل تيسير السعدي، بدور “أبو ريشة” المجنون، التواق دومًا للسفر. يجلس في الشوارع وهو ينتظر الطيارة.
وبالرغم من مرور 15 عامًا بعد الحـ.ادثة، عـ.انى خلالها قلعي المـ.رض والشـ.لل قبل أن يفارق الحيـ.اة في 17 من تشرين الأول 1993، ويربط السواد الأعظم من الناس، من بينهم بشار إبراهيم نفسه، بين اعـ.تداء الضابط وتدهـ.ور الحالة الصحية لقلعي، والتي أدت به معزولًا ومنبوذًا حتى وفـ.اته.
يروي الناقد السينمائي “بشار ابراهيم” في كتابه “نهاد ودريد” قصة الاعـ.تداء الذي تعرض له الفنان قلعي قائلاً: “كان نهاد قلعي ودريد لحام وشاكر بريخان يسهرون في مطعم النادي العائلي في حي “بابا توما” بدمشق، ويستقبلون صحفيا لبنانياً هو جورج ابراهيم الخوري.
و قبل نهاية السهرة غادر دريد لحام، وبقي ثلاثتهم ساهرين، وعندما نفدت سجائر الضيف، طلب من النادل سجائر، لكن النادل لم يلب طلب الضيف.
ما أثار غضب نهاد قلعي، الذي أنب النادل، وإذ برجل يجلس مع شلة من رفاقه على طاولة مجاورة إلى خلفهم، ينادي بصوت غليظ عال: (بورظان بدك سجائر؟ تعال خد من عندي).
فقال له نهاد (أنا ما بدي من حدا سجاير، بعدين أنا ما لي اسم معروف تناديني به ياحمار).
ويضيف الناقد ابراهيم: “لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه الجملة مـ.دمـ.رة ليس للسهرة بل لحياة نهاد قلعي كلها، إذ إنه سيفاجأ بضربة كرسي تنهال على رأسه، تتبعها ضربات أشد قسوة أدت به إلى المستشفى”.
وضيف: “حيث تمت معالجته بشكل سريع، وخياطة الجـ.رح الذي ألمّ برأسه دون عناية كافية”.
اسم البورظان الذي أضحك ملايين الناس كان بمثابة مقـ.تل له، إضافة لهجران الناس له، مع بقاء السيناريوهات التي كتبها حبيسة أدراج الإذاعة والتلفزيون السوري.
وذلك في إصرار اجتمع معه عدة ظروف لأن تتحول سنواته الأخيرة إلى نقيض تام لما كان يطمح له ألا وهو المـ.وت على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا. نعم كان حياته مـ.أساة كاملة محاصرة بالحظ العاثر.
حاضراً في قلوب السوريين
وبعد رحيله بقي نهاد حاضراً في قلوب السوريين بالضحكة البسيطة، يعيد اسمه ذاكرة أعمال حفرت في ذاكرة السوريين، ذاكرة تعبّر عن نفسها بابتسامة لاسم “حسني البورظان”، الرجل طيب القلب الذي يقع ضحية لمقالب “غوار الطوشة”.
يذكر أنه في العام 2008 ، وبعد رحيله بـ 15 عاماً تم منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وعام 2016 أطلقت محافظة دمشق اسم “نهاد قلعي” على أحد الشوارع في منطقة المهاجرين.
اقرأ أيضاً: فارس الحلو غاضب من بعض متابعيه على الفيسبوك!