أخبار سوريا

التوافق على الحل في سوريا ليس بعيد المنال إذا تخلى بوتين عن التمسك بـ”بشار الأسد”.. فهل سيحدث بعد قمة سوتشي

الحراك الدبلوماسي النشط الذي شهدته الساحتان اليمنية والليبية، في الأيام الأخيرة، خصوصا ما تم تحقيقه من إنجاز كبير على صعيد المسألة الليبية، أثار سلسلة من التساؤلات الحذرة لدى السوريين حول إمكانية انتقال عدوى الحلول السياسية إلى ساحتهم، التي تعاني حالة جمود وانسداد على جميع الصعد، لم تفلح معها لا اجتماعات اللجنة الدستورية ولا المحاولات الخجولة للمبعوث الأممي، غير بيدرسون.

بالنظر إلى طبيعة التفاهمات التي تم التوصل إليها في ليبيا، نلاحظ توافقا مهما بين أنقرة وموسكو، رغم الخلاف الكبير بينهما إلى درجة التضاد خلال المراحل السابقة.

فهل يتمكن الطرفان من إيجاد رؤى مشتركة حول أسس حل الأزمة السورية، التي يقف كل منهما حيالها على طرفي نقيض؟

صحيح أن بداية التحرك الدبلوماسي الأخير، باتجاه كل من الساحة الليبية والساحة اليمنية، جاءت موجاته الأولى من جهة واشنطن، لكن طبيعة الصراع في سوريا، تحتم توافقا عريضا يضم أطرافا عديدة، تأتي في مقدمتها، بعد واشنطن، الدول الضامنة لاتفاق أستانا.

وأي اتفاق تصل إليه الدول الثلاث، لا يتعارض مع الخطوط العريضة للسياسات الأمريكية، سيكون محل قبول لدى واشنطن، وسيكون بالإمكان البناء عليه وتطويره، كما حدث في المسألة الليبية.

وتنطلق الثلاثاء، جولة المفاوضات الـ15 في سوتشي الروسية، وتعد فرصة لتحقيق تقدم بالأزمة بعد فشل اللجنة الدستورية في جنيف قبل أسابيع في إحراز اي تقدم.

فشل المسار الدستوري

دون جدوى ولا نتائج، تنتهي جولات اللجنة الدستورية المنوط بها مهمة كتابة دستور جديد لسوريا، تبنى عليه عملية سياسية، من خلال عملية عبثية معكوسة، يصر المجتمع الدولي على استمرارها، ويعتبر مجرد قبول نظام الأسد حضور اجتماعاتها نصرا مؤزرا، حتى لو انتهت كما بدأت!

تنتهي جولات اللجنة الدستورية، دون صياغة المبادئ الأساسية للهدف الذي أُنشئت من أجله، وهو تحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.

خمس جولات من المفاوضات، بإشراف الأمم المتحدة، لم تفلح في التقدم خطوة واحدة نحو كسر الجمود، وإنهاء حالة انسداد أفق الحل السياسي.

المعارضة السورية شاركت في اللجنة الدستورية، على أمل أن تكون مدخلًا لتفعيل الحل السياسي، وخطوة باتجاه تطبيق القرارات الأممية “2254”، و”2118″، وبيان جنيف.

ما يزيد الطين بلة، أن أعمال اللجنة الدستورية غير محددة زمنيًا بمهلة، وهذا يفتح الباب على مصراعيه، أمام وفد النظام لممارسة أكبر قدر من التسويف والمماطلة وتأجيل النظر في المسائل الجوهرية، إلى ما لا نهاية، إضافة إلى الغموض وعدم وضوح جدول أعمالها.

يضاف إلى ذلك اضطراب واضح في جناح المعارضة السورية، بسبب الخلاف على تركيبة اللجنة، وطبيعة التمثيل فيها، والأداء الضعيف لوفد المعارضة، وسقف خطابه المنخفض، خصوصا في الجولة الأخيرة، حيث كان بعيدا كل البعد عن طموحات الشارع السوري.

المبعوث الأممي غير بيدرسون، أشار في تصريحاته عقب انتهاء الجولة الخامسة، إلى عدم إمكانية الاستمرار بهذه الكيفية، وأن اللجنة وصلت إلى طريق مسدود في الوقت الحاضر.

توقع الجميع خطوة جدية منه، كاتهام النظام علانية بالتعطيل، ومطالبة مجلس الأمن باتخاذ إجراءات رادعة تجاهه، لكن بيدرسون ذهب عكس ذلك، فأعلن عن نيته إجراء مباحثات مع مسؤولي النظام السوري، بالرغم من قناعته بأن النظام لن يغير مواقفه!

من قبيل “دق الماء وهي ماء”(مثل يضرب عند القيام بعمل لا فائدة مرجوة منه)، يعرب بيدرسون في ختام الجولة الخامسة، عن أمله بالتوجه إلى سوريا، ليناقش المسؤولين هناك في سبل تنفيذ الجوانب الأخرى من القرار “2254”، وأعلن نيته عقد اجتماعات مع الروس، والإيرانيين، والأتراك، و”الأصدقاء العرب”، والأوروبيين، والإدارة الأمريكية الجديدة.

وفي 29 يناير/ كانون الأول الماضي، اختتمت اللجنة الدستورية جولة خامسة من الاجتماعات، استمرت 5 أيام، دون نتائج تذكر.

وتتولى تلك اللجنة إعادة صياغة الدستور السوري، وهي هيئة مكونة من 150 عضوا، بواقع 50 ممثلا لكل من المعارضة، والنظام، ومنظمات المجتمع المدني، فيما تتكون هيئة مصغرة للجنة من 45 عضوا، بواقع 15 عضوا لكل طرف.

مصير اللجنة الدستورية

تحتل النقاشات حول اللجنة الدستورية مكان الصدارة في الأوساط السورية: هل انتهى عملها بعد الإخفاقات المستمرة والمتكررة؟ أم أنها ستعيش حالة من السكون والركود والخمول، إلى حين نضوج ظروف مواتية لعملها؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه لم يسمح للجنة الدستورية بالعمل والإنجاز؛ لأنها وجدت لا لكي تنجز، بل لكسب الوقت وإيجاد مساحات مشتركة بين الفرقاء المتنافسين على الساحة السورية.

مقابل ذلك، تحتل اللجنة الدستورية مكانة بالغة الأهمية لدى مجموعة أستانا وسوتشي، لأنها تشكل الجسر والرابط الرئيس الذي يعطي تحركاتهم بعدا أمميا.

لهذا السبب رأينا الوفود التركية والروسية والإيرانية تقاطرت إلى جنيف من أجل إنقاذ المسار الدستوري من الانهيار، وكان العنوان المعلَن من وصول الوفود الثلاثة إلى جنيف، عقد اجتماع لضامني مسار أستانة، لكن السبب الخفي، كان إنقاذ المسار الدستوري، وضمان بقائه واستمراره.

مع ذلك لم ينجح الروس في ممارسة ضغوط كافية على وفد النظام تجبره على التعاطي الجدي والفعال مع المسار الدستوري، بالرغم من حاجة الروس الماسة لأي إنجاز سياسي.

وبحسب تحليل نشره معهد واشنطن، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، فإن اللجنة لو لم تحقق تقدمًا كبيرًا في الجولة الخامسة، (وهذا ما حدث فعلًا)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

ومن الجدير بالذكر، أن اللجنة الدستورية طرحت للمرة الأولى في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا بمدينة سوتشي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وجاء في البيان الختامي أنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد الحكومة السورية ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

مهما يكن من أمر، فإن اللجنة الدستورية سوف تستمر في ممارسة اجتماعاتها، حتى لو بقيت دون مخرجات ودون نتائج، إلى حين وصول الأطراف والدول المعنية بالشأن السوري، إلى اتفاق على مسار الحل السياسي في سوريا؛ شكله وطبيعته.

موقف السوريين من المسار الدستوري

في لقائه مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وصف رئيس النظام السوري بشار الأسد، محادثات اللجنة الدستورية في جنيف بأنها “لعبة سياسية”، وأنها ليست ما يركز عليه عموم السوريين، فالشعب السوري، برأي الأسد، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه.

المعارضة السورية، المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، ارتكبت خطأ استراتيجيا حين رفضت أن تكون مرجعية اللجنة الدستورية “مؤتمر سوتشي”، وأصرت أن تكون مرجعيتها القرار الدولي “2254” تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف، لتمنحها مظلة قانونية أممية.

الرأي السائد في الشارع السوري، أن مسألة الدستور ليست بالأهمية القصوى بالنسبة للسوريين، وأن الخلاف مع نظام الأسد لم تكن حول الدستور ذاته، إنما بسبب عدم اكتراث النظام بالقوانين، وعدم تطبيقه لدستوره الذي كتبه بيده، وصممه على مقاسه.

علاوة على أن كتابة الدستور لا تحتاج لسلسلة طويلة من الاجتماعات والمفاوضات، بل يمكن إسناد مهمة كتابته إلى لجنة مختصة من الحقوقيين، تقوم بصياغته، ثم تجري عملية استفتاء شعبي لإقراره، مثل باقي دول المعمورة.

خلاصة

في سبتمبر/ أيلول عام 2018، نجحت قمة سوتشي الأولى في نزع فتيل الحرب، وفي تجنيب إدلب كارثة إنسانية، فهل تنجح قمة سوتشي الأخيرة إيجاد نقطة انطلاق لحل سياسي شامل للأزمة السورية؟

لا شك أن المسألة السورية بالغة التعقيد، وأن الساحة السورية أضحت محل استنزاف لطاقات جميع الأطراف، باستثناء واشنطن، وأن التوافق على أسس الحل في سوريا ليس بعيد المنال، ولا هو بالمستحيل، خصوصا إذا تخلت موسكو عن فكرة التمسك ببشار الأسد، الذي تسبب في مقتل أكثر من مليون سوري، ونزوح أكثر من 13 مليونا، وفي خراب 70% من سوريا، وفي جعل 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر.
الأناضول

زر الذهاب إلى الأعلى