تمثيل المرأة في وسائل الإعلام من حيث المحتوى.. العوائق والتحديات
تمثيل المرأة في وسائل الإعلام من حيث المحتوى.. العوائق والتحديات
تحقيق: رزق العبي – الوسيلة
في الترتيب الخامس أو السادس وقد لا يلاحظ وجود أي تبويب متخصص بقضايا المرأة في مواقع عدة وسائل إعلام سورية رصدناها، ما يدل على قلة أهمية هذا الجانب من حيث التغطية الإعلامية.
ما سبق لا يزال يشكل تحديا كبيرا في الوقت الذي يبدو فيه أن المواضيع التي تناقش قضايا المرأة قليلة وتكاد تكون في بعض الوسائل الإعلامية “نادرة”.
ورغم أن بعض الوسائل الإعلامية تولي اهتماما لهذه القضايا إلا أن نوعية المواضيع فيها قد تركز على جوانب معينة دون أخرى كالاقتصار على الحديث عن المعتقلات، فيما هناك وسائل إعلام أخرى قد رصدنا نشاطها حول قضايا المرأة لم تصدر سوى بضع مواد مقابل تركيزها أكثر على القضايا الميدانية والسياسية واللاجئين والحوادث وغيرها.
ويشمل ما سبق وسائل الإعلام السورية بما فيها الصحف والمواقع الالكترونية والصحافة المسموعة والمرئية، فمن أصل 18 وسيلة إعلامية اُطلع عليها، يبدو أن ست وسائل إعلامية تخصص قسما يناقش القضايا التي تركز على المرأة السورية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه تمثيل قضايا المرأة في وسائل الإعلام السورية خجولا إلا أنه ووفق رؤية صحفيات تواصلنا معهن خلال إعداد التحقيق، فالأمر ليس بنسبة وتناسب بقدر ما هو الحرص على عدم اختلاف المعاملة والتمثيل الإعلامي بناء على النوع.
ويبدو أن من بين الأسباب التي تجعلنا أمام ما سبق هو نسبة النساء العاملات في العديد من الوسائل الإعلامية إلى الرجال إضافة لتأثير السياسات التحريرية التي توضع مسبقا وتهمش بطريق ما تمثيل المرأة وتسليط الضوء على قضاياها.
تمثيل خجول
مادة صحفية كل أسبوع أو كل شهر أو نشر بشكل عشوائي لمواضيع متنوعة، بعضها يدرج تحت تبويب رئيسي للمرأة وبعضها الآخر يندرج ضمن تبويب فرعي، بينما وسائل إعلام سورية أخرى تنشر مواضيعا تخص المرأة في أوقات عشوائية.
المديرة التنفيذية لراديو روزنة لينا الشواف تقول: “إذا قصدنا بوجود الصحفيات فهو ليس مقبول، هناك مؤسسات إعلامية كاملة لا يوجد في غرفة الأخبار الخاصة بهم صحفية، فقط صحفيين، هذا غير مقبول، أما من ناحية المحتوى، أيضا نفس الأمر، هناك محتوى يتطرق لقضايا المرأة ولكن ما زال تحت المستوى المطلوب لأنه هناك مؤسسات إعلامية لا تتطرق لهذا الجانب”.
تضيف، بأن “يجب أن يكون هناك محتوى أكثر متعلق بقضايا المرأة وداعم لها، توعوي خدمي صحي تعليمي…الخ، يجب أن يكون هذا النوع من المحتوى موجود على وسائل الإعلام السورية وخصوصا بالمحتويات التي تطرحها”.
وحسب ما رصدناه، يبدو أن بعض وسائل الإعلام تخصص مبوبة للمرأة وتركز على مواضيع معينة كتلك المبوبة الفرعية المنشورة على موقع “زمان الوصل” حيث تحمل اسم “معتقلات في سجون الأسد” أي أنها تركز على نوعية معينة من المواد الصحفية.
من جانبها، تقول لجين الحاج يوسف وهي رئيسة التحرير في راديو روزنة: “لا يمكن أن يكون هناك حكم مطلق على العديد من وسائل الإعلام، لكل واحدة منها سياستها التحريرية واستراتيجيتها الإعلامية، لكن في المحتوى العام، فهو بين المقبول إلى المتوسط، لأن الأساس في تمثيل المرأة في وسائل الإعلام أن يكون هناك كسر للصورة النمطية التي تقدم فيها المرأة، وليس فقط أن نقدم موضوعا للنساء وإنما كيف نقدم هذا الموضوع عن النساء”.
وتتابع، “كيف نعزز من الحضور النسوي السياسي مثلا أو كيف نحقق توازن جندري في المحتوى الذي نقدمه، وبالتالي هناك عناصر كثيرة يجب أن تكون موجودة ونعتمد عليها إذا أردنا أن نتحدث عن تمثيل المرأة في وسائل الإعلام، لأنه أيضا هذه الوسائل تعاني من تحديات بخصوص ظهور المرأة السورية على هذه الوسائل”.
أمثلة حية
يبدو أن نسبة قليلة لا تتجاوز 30% من وسائل الإعلام السورية تتجه إلى تمثيل المرأة السورية وقضاياه ضمن محتوى صحفي بالحد المقبول، وهذا ما رصدناه أثناء البحث في الموضوع.
وتتجه وسائل إعلام أخرى، إلى تناول مواضيع معينة كتمكين النساء للعمل وذكر نجاحات السوريات في سوريا وبلدان اللجوء إضافة لمواد أخرى تناقش العناية بالبشرة والجمال، هذا ما وجدناه على موقع مثل “حبر برس”.
وفي مثال آخر، كنا قد رصدنا تنوع في المواضيع التي تناقش قضايا نسوية في مواقع مثل “الحل نت” و “روزنة” كتلك المواضيع التي تسلط الضوء على حقوق النساء والمواضيع النقاشية النسوية والحوادث ومواضيع نسوية أخرى.
ويغيب وجود تبويب يخص المرأة السورية في عدد من وسائل الإعلام الأخرى مثل “تلفزيون سوريا” و “شبكة بلدي” و “عنب بلدي” و “أورينت نت” وغيرها.
ما سبق دعانا لإعداد استطلاع للرأي ركزنا فيه على مدى اطلاع النساء السوريات على وسائل الإعلام السورية وما هي تلك الوسائل التي تهتم بقضايا المرأة وما المقترحات لتحقيق تمثيل أفضل للمرأة فيها.
استطلاع للرأي
في استطلاع للرأي، أجريناه مع 20 من النساء السوريات اللواتي يتواجدن في مناطق متفرقة من تركيا ويعيشن ضمن ظروف متباينة، يبدو أن 20% منهن يعرفن فقط وسيلة إعلامية أو أكثر تهتم بقضايا المرأة.
وحسب النتائج التي توصلنا إليها، هناك 55% اقترحن أن يكون هناك تكثيف للتدريبات الصحفية للنساء السوريات من أجل تمثيل أفضل لها في وسائل الإعلام بينما توافق 80% منهن على إقامة ندوات ومؤتمرات مستمرة تركز على تحسين هذا التمثيل.
وفيما يخص العمل الإعلامي والمعرفة بوسائل الإعلام السورية، يبدو أن هناك 35% منهن لا يعرفن أكثر من وسيلتين إعلاميتين سوريتين، أما بالنسبة للوظائف الصحفية فتصل 70% الوظائف المكتبية على الميدانية في ميدان الإعلام.
ومن خلال ما سبق، يتبين أن هناك ضعف واضح في تمثيل المرأة لدى وسائل الإعلام السورية سواء من ناحية التوظيف أو من ناحية الاهتمام بإقامة الورشات والتدريبات أو من ناحية أنواع الوظائف التي يمكن للصحفية أن تشغلها.
على ضوء ذلك، تقول خولة سعادة وهي مترجمة كانت قد عملت كمترجمة لتقارير صحفية: “نحن بحاجة إلى ضرورة خلق تكافؤ في الفرص المتنوعة بين الرجل والمرأة خاصة في ميدان الإعلام، هذا سيؤثر بشكل مباشر أيضا على زيادة نسبة اهتمام كل وسيلة إعلامية تضع اعتبارا لهذا التكافؤ”.
وتضيف، بأن “هناك نقطة مهمة أيضا تعزز ما سبق وهي التركيز على الجمهور المتلقي ورفع نسبة استهداف النساء في المحتوى الإعلامي، فغالبا ما تكون نسبة النساء أقل من الرجال من حيث الرؤى والتحليلات لقراء بعض وسائل الإعلام”.
نظرة سائدة
قد يكون من العوامل التي أدت إلى تقويض تمثيل المرأة بالشكل المطلوب في وسائل الإعلام السورية هو النظرة السائدة لها في المجتمع، حسب صحفيات التقينا بهن.
على ضوء ذلك، تقول صفا التركي وهي إحدى الصحفيات اللواتي التقينا بهن أثناء إعداد التحقيق: “يجب على وسائل الاعلام السورية تغيير الذهنية السائدة بالنظر للمرأة السورية على أنها ضحية وضعيفة وعاجزة، وتسليط الضوء على النساء القياديات المبادرات في المجتمع، وزيادة نسبة تغطية الموضوعات المتعلقة بالمرأة وقضاياها وألا تقتصر هذه التغطية على المناسبات كيوم المرأة العالمي وعيد الأم ويوم حرية الرأي والتعبير… الخ، بل تمتد خلال أيام السنة كاملة”.
وتضيف، بأن “على وسائل الإعلام السورية العمل على تطوير وتدريب الزميلات الصحفيات في عملهن الصحفي ودفعهن لتطوير أدائهن كي يستطعن تبوء المناصب والمسؤوليات مثلهن مثل أي صحفي بغض النظر عن جنسه (ذكر أو انثى) وعلى المؤسسات المانحة تقديم الدعم للمؤسسات الإعلامية من أجل تفعيل دور المرأة وتطوير قدراتها”.
جزء من قضايا المجتمع
“ليس بالضرورة أن تُخصص ضمن وسائل الإعلام أبواب خاصة بالمرأة بقدر ما هو ضروري أن يتم إبراز قضايا المرأة كجزء من قضايا المجتمع” حسب رئيس تحرير صحيفة صدى الشام، عبسي سميسم.
سميسم يرى، بأن “مسؤولية وسائل الإعلام في إبراز قضايا المرأة تتجلى بعدة جوانب مثل التركيز على ذلك كجزء من قضايا المجتمع وإبراز المرأة ضمن المواد الصحفية كمصدر للمعلومة وبشكلة متوازن مع المصادر من الرجال مع تجنب أخذها كمصدر للاستعطاف وأخذ دور الضحية ضمن المواد الصحفية”.
يضيف أيضا، بأن “صناعة قضايا رأي عام تتعلق بقضايا المرأة أيضا مهم من خلال التعاون بين مجموعة من وسائل الإعلام لخلق التأثير المطلوب”.
ووفق سميسم، فإنه “على وسائل الإعلام اعتماد توازن جندري بالنسبة لموظفيها، وأن يكون للمرأة تمثيل بنسبة لا تقل عن 40% بغض النظر عن الكفاءة ضمن المرحلة الحالية من أجل إفساح المجال أمامها لتطوير نفسها ولأن الصحفية أقدر على طرح قضايا المرأة من الصحفي”.
سعي لتمثيل عادل
يبدو أن هناك تمثيل خجول للمرأة في المحتوى الإعلامي لوسائل الإعلام السورية حسب صحفيات وسوريات تواصلنا معهن، البعض يرى أن هذا الأمر بحاجة للنظر فيه وإيجاد سبل وحلول تزيد من نسبة هذا التمثيل.
تقول التركي تعليقا على ذلك: “لا شك أننا نسعى لتمثيل عادل وحقيقي للمرأة السورية بوسائل الإعلام، لكن هذا لا يعني أن يكون الأمر عبارة عن مسطرة وعداد، لنقول إن هناك نسبة 50% من العاملين في وسائل الإعلام من الذكور ويقابلهم نفس النسبة من النساء”.
وتضيف، بأن “هناك أسباب عديدة منها قلة عدد وسائل الإعلام السورية وضعف تمويلها وهذا يؤدي للحصول على رواتب منخفضة وساعات عمل مجهدة والمرأة لديها التزامات أخرى كالأسرة والمنزل مما يؤثر عليها ويدفعها لعدم العمل”.
وتتابع، بأنها “التمثيل العادل يعني وصول صاحب الكفاءة الأعلى للوظيفة بغض النظر عن جنسه وبالتالي قد تكون هناك فرصة أكبر للنساء كي تكون نسبتهن أعلى حتى من نسبة تواجد الذكور في وسائل الإعلام، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، وهذا مؤشر يؤكد بأننا لسنا أقل كفاءة كنساء عاملات في هذا المجال”.
وحسب التركي، فإن عدم التكافؤ يمتد إلى التمثيل النسائي كضيفات ضعيف للغاية، هذا ناجم عن صعوبات تتعلق بالطرفين، فمن ناحية المرأة السورية نجد أنها قليلا ما تشارك في برامج سياسية واقتصادية إضافة لحضور المرأة الضيفة في برامج منوعات وصحة وجمال وطبخ وخلافه وهذا يعزز من النظرة التقليدية للمرأة”.
حلول ومقترحات
مع أن هناك العديد من الوسائل الإعلامية قد لا تلقي بالا لموضوع تمثيل المرأة إعلاميا وقد يعود ذلك لظروف وأسباب لكن هناك حلولا يمكن تنفيذها من أجل التقليل من هذا التفاوت في التغطية الإعلامية على أساس النوع الجنساني.
وتقترح الحاج يوسف خلال حديثنا معها عدة حلول لتفعيل تمثيل المرأة بالحد المطلوب، حيث تقول: “المطلوب من وسائل الإعلام السورية فعله لتعزيز تمثيل المرأة وقضاياها ضمن المواد الصحفية، في البداية يجب أن يكون هناك تثقيف مؤسساتي في الكادر الصحفي الذي يعمل على قضايا النساء والجندر والنوع الاجتماعي وبعد ذلك يمكن الغوص أكثر في نوع سياسة التحرير اللازمة والتي يجب أن تكون داعمة لهذه القضايا”.
وتتابع، لا يمكن فقط أن نعزز من حجم المحتويات الصحفية التي تتحدث عن شؤون النساء من دون فهم خلفيات هذه القضايا، وهذه مشكلة موجودة عند أغلب المؤسسات، أيضا أن يكون هناك شراكة واضحة في الاستفادة وتقديم الخدمات للنساء والرجال على حد سواء إضافة إلى تخصيص قضايا موجهة للنساء ضمن خطط المحتوى الشهرية وبشكل واضح حتى تكون دائمة.
وتشير إلى أن هناك خطوات كثيرة ولكن يمكن الحديث عن أبرز هذه الخطوات والانتباه دوما أنه ليست كل امرأة موجودة أنها تدعم قضايا النساء، أيضا يجب الاستفادة من الرجال الذين يدعمون قضايا النساء لأن التوازن في الحضور الجندري ضروري جدا.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان.