تقارير

كيف يتعامل الإعلام مع أخبار جرائم القتل بدعوى الشرف؟

كيف يتعامل الإعلام مع أخبار جرائم القتل بدعوى الشرف؟

تحقيق: رزق العبي – الوسيلة

عناوين تشجع في فحواها ارتكاب جرائم بحق النساء “بداعي الشرف” في الوقت الذي توجد فيه ثغرات قانونية في قانون العقوبات السوري تؤدي إلى إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب أو يتم تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم.

ردود وتعليقات تناصر أحيانا أولئك الذين يرتكبون هذه الجرائم في الوقت الذي تمر على بعض وسائل الإعلام كخبر عابر وسط نقص واضح في محاولات توعية المجتمع من خلال محتوى صحفي أكاديمي مدروس يتبع هذه الجرائم.

خلال إعداد تحقيقنا، راسلنا عددا من الصحفيين الذين يعملون في وسائل إعلام تغطي الشأن السوري، كان الهدف من ذلك هو معرفة طرق صياغتهم للأخبار التي تتناول هذا النوع من الجرائم، فبينما يجد البعض منهم أنه لابد من تغطيتها بشكل موسع يراها آخرون جريمة مثل أي جريمة أخرى.

ومن حادثة ما بات يعرف بـ “أبو مروان السوري” إلى “فتاة الحسكة” وعشرات الجرائم الأخرى، يبدو أن الجرائم هذه تتواصل في الوقت الذي يفلت مرتكبوها في بعض الأحيان من العقاب.

وأثناء البحث في موضوع التحقيق، رصدنا حصول قرابة 48 جريمة “بداعي الشرف” بعضها حصل في مناطق متفرقة من سوريا وجرائم أخرى ارتكبت في بلدان اللجوء وأبرزها ألمانيا.

مثال حي!

“منذ فترة، قتل شاب أخته لأنه اكتشفها تحب شابا آخرا، افترض معي لو كنت مكانه، ماذا تفعل؟” انطلاقا من هذا التساؤل، يستطلع أحد الناشرين المارة في شوارع دمشق من ثم يثير نقاشا حول الموضوع عبر طرح أسئلة مثل مواقفهم من حديث أخواتهم البنات مع شبان آخرين…الخ.

ورغم أن الهدف من هذه التغطية يبدو أنه ينصرف نحو تسليط الضوء على ضحايا هذه الجرائم إلا أن صياغة العنوان كانت غير موفقة حسب ما يراه العديد من الصحفيين ممن توصلنا معهم وطلبنا منهم صياغة هذا الخبر بعنوان جديد.

في السياق، تتكرر هذه الجرائم باستمرار في الوقت الذي تركز العديد من الوسائل الإعلامية السورية عند تغطيتها هذه الجرائم على الدوافع أكثر من اعتبارها جريمة بحد ذاتها لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.

على سبيل المثال لا الحصر، “قتل رجل ابنته لخلعها الحجاب، أو قتل رجل ابنته بسبب رسائل واتس أب…الخ”.

تعامل الإعلام مع أخبار جرائم القتل بدعوى الشرف

تغطية مختصرة

تتناول وسائل الإعلام السورية في معظمها الجرائم المرتكبة بحق النساء “بحجة الشرف” بتغطية مختصرة تقتصر على ذكر تفاصيل الحوادث وإضافة عناوين تلفت الانتباه.

ما سبق رصدناه خلال معاينة ما يزيد عن 30 مادة كانت قد نشرت خلال السنتين الماضيتين، حيث اقتصرت هذه المواد بغالبيتها على معالجة الخبر وذكر التفاصيل فقط دون الخوض في آثاره وتبعاته وما إلى ذلك.

وعلى سبيل المثال نضع أدناه بعض هذه العناوين التي تم رصدها في وسائل إعلامية متعددة وهي:

-“مقتل فتاة ووالدتها في إدلب بسبب صورة على فيسبوك”.
-” شاهد| بسلاحٍ رشّاش .. شاب سوري يقتل أخته أمام الكاميرا بداعي “غسل الشرّف” .. وردود غاضبة”
-“بداعي غسل العار”.. فيديو جريمة قتل وحشية لفتاة على يد أهلها يهز الحسكة”.
-” بعد أن شاهده في منزله مع زوجته.. شاب سوري يرتكب جريمة قتل في إزمير (فيديو)”.

ليست جميعها!

وفق رصدنا لتلك القضايا الموثقة لدى الشبكات الحقوقية التي تنشط في توثيق الانتهاكات والمواد الإخبارية المنشورة على الوسائل الإعلامية، هناك العديد من الحوادث التي لم يتم تغطيتها، أو تم تغطيتها ولكن باستخدام عناوين تثير الفضول.

على ضوء ذلك، يقول الصحفي نزار محمد: “هذه الجرائم تُنشر ضمن مبوبات الحوادث في بعض الأحيان، يُعتمد في العناوين صياغات تحثّ القراء على زيارة الروابط، ولا شك أن هذا الأمر يأتي بنسب قراء أكثر مما يدعم نشر عمل هذه الوسائل الإعلامية”.

يضيف محمد وهو أحد الصحفيين الذين عملوا في عدة وسائل إعلامية سورية خلال السنوات الماضية، بأنه “غالبا ما تركز السياسات التحريرية على تغطية الجوانب السياسية والميدانية وملفات اللاجئين وتوليها اهتماما أكبر من تلك المتعلقة بالجانب المجتمعي والحقوقي والتثقيفي”.

ومن حيث المسؤولية، فإنها تتوزع على وسائل الإعلام والجهات الحقوقية التوثيقية والمنظمات المعنية بشؤون المرأة، فالتنسيق فيما بين هذه الجهات يأتي بنتائج أفضل من حيث الحصول على تغطية أكثر وعيا لمثل هذه الجرائم، وفق محمد.

تجربة مع صحفيين!

تختلف طرق صياغة الخبر وإبراز الجانب المهم فيه حسب وجهة نظر كل صحفي عن الآخر، وبناء على ذلك كنا قد أرسلنا خبرا مختصرا لثلاثة صحفيين “دون ذكر أسمائهم” طالبين منهم إعادة صياغة العنوان حسب خبراتهم الصحفي.

ويغطي الخبر جريمة قتل حصلت بتاريخ 16 أيار عام 2020 في ريف عفرين، حيث أقدم شاب على قتل والدته وشقيقته “بداعي الشرف” بعدما ادعت قابلة قانونية تم عرضها عليها أنها “حامل” لكنها في الحقيقة كانت تعاني من إصابتها بأكياس ماء.

ووفق الإجابات، عنون الصحفي الأول الخبر كالتالي: “خطأ طبي يقتل فتاة في شمال سوريا بداعي الشرف” بينما الصحفية الثانية عدلت على العنوان بطريقة أخرى، حيث كتبت “جريمة جديدة ترتكب شمال سوريا والضحية فتاة والتهمة بداعي الشرف” أما الصحفي الثالث فقد كتب “تشخيص خاطئ يقتل فتاة شمال سوريا بحجة الشرف”.

ووفق الإجابات السابقة، يبدو أن عنوانين قد ركز فيهما الصحفيان على الخطأ الطبي أكثر من إبراز جانب القتل الحاصل بحجة الشرف.

وحسب بحثنا حول طريقة تغطية الجريمة من بعض وسائل الإعلام المحلية، يبدو أنهم أبرزوا أيضا جانب الخطأ الطبي عوضا عن التركيز على أنها جريمة في النهاية ولن يتغير توصيفها لو لم يكن هناك خطأ طبي.

تعامل الإعلام مع أخبار جرائم القتل بدعوى الشرف

الجريمة جريمة

بالعودة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يكفل في عدة مواد من بينها “المادة 1، المادة 2، المادة 3، المادة 12، المادة 16” فهي تتضمن صون حقوق وحريات الأفراد بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو رأيهم السياسي وغير السياسي أو ثروتهم أو مولدهم أو أي وضع آخر.

ومع أن العديد من العاملين في مجال الإعلام يفتقدون للشق الأكاديمي في تناول أي حادثة وكيفية معالجتها والزاوية التي لابد من إبرازها في الخبر إلا أن هناك صحفيين آخرين يلاحظون ما آثار ذلك ويدعون إلى تبني نشاطات إعلامية تحد من هذه الجرائم

تعليقا على موضوع تحقيقنا، يقول الصحفي السوري، يمان الخطيب: “دورنا كصحفيين، أن نعرف الناس أكثر بالقانون ونسلط الضوء على الثغرات التي لابد من تعديلها إضافة للتركيز على ذلك الإهمال الذي يترجم إلى عدم محاسبة جدية لمرتكبي هذه الجرائم في بعض البلدان”.

يضيف الخطيب، أن “الجريمة اسمها جريمة بغض النظر عن دوافعها، ومن هذا المنطلق لابد من أن نساهم بزيادة الوعي لدى القراء، وعندما يكون هناك اهتمام كبير من وسائل الإعلام نرى أن الجريمة تتحول لتشكل رأي عام وهذا ما يساهم في إجبار السلطات على التحرك بشكل جدي، في هذه النقطة تحسب لوسائل الإعلام والصحفيين الذين يبذلون جهدا عند تغطية هذه الجرائم”.

مناصرة إعلامية

رغم النشاطات التي تطلقها منظمات المجتمع المدني والمتركزة على دعم المرأة ومناصرة قضاياها خصوصا في المجتمعات العربية، إلا أن الجرائم التي ترتكب “بحجة الشرف” لا تزال متواصلة.

التقينا بمدير المكتب الإعلامي للمعهد السوري للعدالة والمساءلة، أحمد محمد، يقول تعليقا على الموضوع: “مع الأسف جرائم الشرف المرتبكة في بعض الدول العربية ومنها سوريا ومصر والسودان وغيرها، تقدر سنويا بحوالي خمسة آلاف جريمة وفق إحصاءات منظمات حقوقية”.

يتابع، بأن “ما يقع على عاتقنا كمنظمات مجتمع مدني هو نشر التوعية وثقافة حقوق الإنسان فيما بين المجتمعات والتأكيد دائما على أن هذه الجريمة هي جريمة يعاقب عليها القانون كأي جريمة أخرى”.

ويكمل محمد، بأن “المنظمات الحقوقية بشكل عام لعبت دورا هاما في التوعية بقضايا المرأة وحقوقها ومناصرتها ودعمها وعدم تهميشها، فيما يبدو أنه لابد من الضغط أكثر على الحكومات لسد أي ثغرات قانونية تخفف العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم، هذا ما يحصل في سوريا”.

تركيز على القوانين

“من المسؤول عن الجريم، المشروع بتلك القوانين التي تخفف العقوبة على من يرتكب مثل هذه الجرائم أم مرتكبيها أم المشجعين على ارتكابها أم الذين يبررون لارتكابها عند تغطيتها عن قصد أو غير قصد؟” في الحقيقة، جميعهم لهم يد في ازدياد هذه الجرائم، وفق ما تقوله الصحفية المهتمة بالقضايا الحقوقية، مايا علي.

وتجيب عن تساؤلات تدور حول كيفية تناول هذه الجرائم في وسائل الإعلام وما الذي يجب فعله بالقول: “يجب التركيز أكثر على هذه الجرائم وتخصيص نقاشات وجلسات حولها والوقوف على ما تفعله منظمات المجتمع المدني إزاء ذلك”.

وحسب حديثها، فإن هناك جانبا يجب التركيز عليه في المقام الأول ألا وهو تسليط الضوء إعلاميا على الثغرات القانونية التي يحتويها قانون العقوبات السوري كالمادة رقم 192 والمادة رقم 508 والمادة رقم 548، فالمادة الأخيرة مثلا تعطي “عذرا محلا لمن يفاجئ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، كما يستفيد مرتكب القتل أو الإيذاء من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.

وتكمل علي، بأن “الوسائل الإعلامية يجب ألا تمر على هذه الجرائم وتغطيها في خبر مختصر وهذا ما نراه لدى العديد من وسائل الإعلام التي تكتفي بوضع عنوان جذاب للفت الانتباه وتنقل تفاصيل الخبر دون الخوض في تبعاته وآثاره وما إلى ذلك”.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى