كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأخبار التي تخصّ العنف ضدّ النساء في تركيا؟
أخبار "العنف ضد المرأة في تركيا" على طاولات وسائل الإعلام.. التغطية والمتابعة!
إعداد رزق العبي
لم تكن تعرف فاطمة (31 سنة) المقيمة في ولاية هاتاي جنوب تركيا، بأن هناك وسائل إعلام يمكن أن تساهم في نشر تفاصيل معاناتها المتمثلة في التعنيف المستمر الذي كانت تتعرض له من زوجها بعدما فقدت الأمل في حل ذلك من قبل أهلها، لكن لجوئها للإعلام زاد الطين بلة.
تعود تفاصيل هذه الحادثة إلى بداية السنة الحالية، حيث كانت الشابة السورية قد تعرضت عدة مرات للتعنيف الجسدي واللفظي من زوجها لتلجأ فيما بعد إلى أهلها شاكية إياه، لكنهم لم يفعلوا أي شيء سوى إصرارهم على العودة لبيت زوجها.
تقول خلال اتصال هاتفي: “عدت إلى زوجي بعد مرور أسبوعين وبناء على وعوده بعدم التعرض لي مرة أخرى، ولكن عاد واعتدى عليّ أكثر من مرة، فما كان أمامي إلا نشر الحادثة باسم مجهول على فيس بوك طالبة المساعدة”.
وتضيف، بأن “أحد الصحفيين أرسل لها يعرض نشر قصتها، وبالفعل كتب قصة الشابة وما كان يحصل معها لكنه نشر تفاصيل عنها ساهمت في وصول زوجها للمادة المنشورة الأمر الذي جعل زوجها يزيد من تعنيفها حتى قررت الهروب”.
وحسب الشابة، فإنها “اليوم قررت الهروب من زوجها ومن أهلها حيث أن الطرفين لا يعرفان مكانها، فيما باتت تعتمد على نفسها من حيث العمل في الوقت الذي أقدم زوجها على الزواج من امرأة أخرى”.
خبر عابر
تصنيفه ضمن أخبار الحوادث أو أخبار المهجر، وغالبا ما يتم نشره على أساس أنه “مادة رصد” دون الخوض في تفاصيل حوادث العنف الحاصلة ضد المرأة في تركيا ضمن الخبر وما آثاره وما تبعاته وما الذي حصل فيما بعد للجاني وهل تأخذ العدالة مجراها وما إلى ذلك من تفاصيل حول ذلك.
وخلال البحث، رصدنا حصول العديد من حالات العنف ضد نساء سوريات يقمن في تركيا، أفضت بعضها إلى حصول وفيات.
وحسب رصدنا، فهناك ما لا يقل عن 10 حوادث عنف بحق نساء سوريات وصلت لحد الوفاة ونشرت على وسائل إعلام سورية وتركية في تركيا، لكن هذه الحوادث لم يتجاوز تصنيفها على أنها أخبار طويلة أو تقارير إخبارية.
وحسب التغطيات الإعلامية من قبل وسائل الإعلام لهذه النوعية من الأخبار، فإن التغطية تقتصر على ذكر تفاصيل الحوادث الحاصلة في تركيا، وفي بعض الأحيان تعتمد بشكل كامل على النقل من وسائل إعلام تركية مع إحداث تغيير طفيف في طريقة الصياغة إضافة إلى عمومية السياقات الموضوعة في خلفية الخبر مثل الاقتصار على ذكر أعداد السوريين في تركيا.
ما الأسباب؟
تعليقا على طريقة تعامل الوسائل الإعلامية مع حوادث العنف بحق المرأة في تركيا، يقول الصحفي السوري، أحمد نذير: إن “الدخول في عمق مسببات حوادث العنف ضد المرأة ربما يسبب غضبا اجتماعيا، تحاول الوسيلة الإعلامية تجنبه عبر طرح سطحي ونقل خبري لا أكثر”.
ويضيف، بأن “غياب خطط التغطية الإعلامية المتكاملة التي تحمل حلولا وإيضاحات مبنية على استقصاء لكل جوانب الحوادث، يجعل الوسيلة الإعلامية تختار الأسهل عبر رصد مثل تلك الحوادث بالمعلومات المتوفرة لا أكثر”.
في حوادث العنف ضد المرأة في تركيا المنشورة على وسائل الإعلام، نرى أنه التغطية تقتصر على كونها مجرد مادة رصدية لا أكثر… ترى ما الأسباب التي تجعل هذه الوسائل لا تهتم أكثر بهذا النوع من الحوادث؟
في المقابل، تعلق الصحفية السورية، آلاء محمد بالقول: إنه “في بعض الأوقات الإعلام يستغل الترند لرفع عدد المتابعين وهذا الأمر يستخدم بالقضايا المتأصلة في المجتمع مثل العنف ضد النساء، أيضا يجب ألا نقلل من الجهد الذي تبذله بعض المؤسسات في تسليط الضوء على قضايا حقوق النساء وخاصة العنف القائم على النوع الاجتماعي وبالنهاية دور الإعلام هو تسليط الضوء على القضايا”.
توثيقات وأرقام
تتواصل حوادث العنف بحق النساء في الوقت الذي يتم تناول هذه الحوادث ضمن سياق التغطيات الإعلامية السطحية حسب أشكال المواد الصحفية التي رصدناها خلال إعداد التحقيق.
ومع أن الأرقام توضح حصول عشرات حوادث العنف بحق النساء في تركيا والتي تؤدي في معظمها إلى حصول الوفاة.
حسب منظمة “KCDP” المناهضة للعنف بحق النساء، ففي تقريرها لشهر نوفمبر الماضي، قتلت 30 امرأة على أيدي رجال بينما عثر على 20 امراة أخرى كنّ قد فارقن الحياة إثر تعرضهن لحوادث مريبة.
ووفق المنظمة، فإنه في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي 2022، فإنها وثقت مقتل 282 أنثى إضافة لـ 208 حالات وفاة لنساء ضمن ظروف مشبوهة.
وتغطي المنظمة ضمن حوادث العنف بحق النساء جميع الحوادث بغض النظر عن الجنسية، حيث كانت قد أصدرت عدة بيانات في أوقات سابقة تقف فيها إلى جانب الضحايا السوريات اللواتي فارقن الحياة إثر تعرضهن للعنف.
ويأتي توثيق هذه الأرقام من حوادث العنف ضد النساء المبني على الجنس في تركيا، في الوقت الذي ينص فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثانية على أنه “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا وغير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر”.
وتحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر من كل سنة على أنه “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة” حيث يتم إطلاق العديد من الحملات لدعم النساء اللواتي تعرضن لعنف جسدي أو نفسي.
صدى الشارع
أثناء إعداد تحقيقنا، أجرينا استطلاعا مع نساء سوريات منهن يقمن في تركيا حول رأيهن بالتغطية الإعلامية للحوادث المتعلقة بالعنف ضد المرأة.
وتقول راما، ج، إحدى المشاركات: “أغلب النساء لن يجدن حلا في نشر قصصهن على وسائل الإعلام، سيجدن الحل في تقديم شكوى لأقرب مركز شرطة، فلا ننسى جانب التشهير الذي قد تتعرض له المرأة في حال أقدمت على نشر ذلك وعواقب ذلك عليها”.
وتتابع، بأن “حالات العنف ضد النساء كثيرة ولكن قليلة تلك التي تصل لوسائل الإعلام ليتم نشرها وغالبا ما تكون أحداثها قد خرجت عن السيطرة”.
من جانبها، ترى صفاء، ن، وهي مشاركة أخرى في الاستطلاع: بأن “اللجوء إلى الإعلام مستبعد تماما لدى النساء ولو كن يتعرضن للتعنيف باستمرار، أما السبب في ذلك فيعود لخشيتها الوقوع ضحية لحديث المجتمع المحيط بها حيث يراها في غالب الأحيان أنها المذنبة وليس الرجل”.
كما تضيف، بأن “النساء اللواتي لديهن أبناء ولا يعملن لا يفكرن إطلاقا في الوصول لمرحلة تقديم شكوى أو نشر قصصهن على وسائل الإعلام خشية من العواقب التي قد تعود عليهن”.
ما المطلوب فعله؟
اقتراحات عديدة يطرحها صحفيون وصحفيات حول معالجة هذه التغطية الإعلامية، فعلى سبيل المثال، يرى أحمد نذير بأن “الحل يكمن في التعامل مع هذا النوع من التغطيات الإعلامية كملف يتضمن مواد متكاملة عن العنف ضد المرأة مثل الأسباب والدوافع الاجتماعية والبيئة المحيطة ورصد الحوادث ذاتها مع الدخول فيما وراء الحادثة نفسها”.
ويتابع، بأنه “بعد معرفة أبرز الأسباب أو الدوافع وراء تلك الحوادث، لا بد للإعلام من التوجه لقادة الرأي في المجتمع المعني لمخاطبتهم ونقل رؤيتهم ومحاولة التأثير عليهم لتبني تغيير جوهري في العادات الاجتماعية التي تشجع وتبيح العنف”.
أما آلاء محمد، فإن اقتراحها يكمن في “حصول تعاون بين مؤسسات الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضاء النساء والترويج للنشاطات والفعاليات بغرض التوعية وإحداث التغيير”.
وقد يبدو رأي مؤتمن ميرة قريب بعض الشيء من زميلته آلاء، حيث يرى بأن “الحل يكمن في تحفيز وسائل الإعلام للصحفيين على تغطية هذا الجانب بشكل أكبر، كما أن على المنظمات المعنية بهذا الشأن دور كبير في الوصول لوسائل الإعلام خصوصا أن هذه المنظمات بالتأكيد لديها بيانات ومعلومات تهم تغطية هذا الجانب”.
ويضيف ميرة، بأن “من بين الحلول أيضا، تشجيع المنظمات للنساء على التواصل مع الوسائل الإعلامية إضافة لتحفيز الصحفيين من جانب آخر عبر مسابقات في هذا الجانب”.
حلول وتوصيات
بين تناول الأخبار المتعلقة بحوادث العنف ضد المرأة في تركيا وطبيعة التعامل معها، توصي مسؤولات في جمعيات ومنظمات نسوية بإيجاد حلول
وترى الناشطة المهتمة بالقضايا الحقوقية، مايا علي: “من أجل الوصول إلى نتيجة أفضل من حيث التغطية الإعلامية لابد من التنسيق بشكل أكبر فيما بين المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والوسائل الإعلامية، على الطرفين يقع جانب من المسؤولية لتغطية هذه النوعية من الجرائم ومتابعتها فيما بعد”.
وتضيف، بأن “الإحصاءات المنشورة بشكل دوري عن جرائم العنف ضد المرأة واستطلاعات الرأي والبرامج المتخصصة في متابعة مثل هذه القضايا مقترحات قابلة للتنفيذ، ويمكنها أن تساهم في التقليل من حجم هذه النوعية من الجرائم مع مرور الوقت”.
الجدير بالذكر أن عدد الإناث السوريات المسجلات بشكل رسمي في تركيا وفق آخر إحصائية رسمية يصل إلى 1.661.362 لاجئة في البلاد.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.
مراجع عن أخبار العنف ضد المرأة … جميع الأخبار المتداولة خلال عام 2022 نتج عنها حالات وفاة للاجئات سوريات في تركيا:
https://orient-news.net/ar/news_show/199990
https://orient-news.net/ar/news_show/195218
https://orient-news.net/ar/news_show/200586
https://www.haberturk.com/son-dakika-suriyeli-anne-kiz-daglik-alanda-vahsice-olduruldu-3514133
https://t24.com.tr/haber/bianet-erkekler-326-gunde-296-kadini-oldurdu-715-kadini-yaraladi,1074528
مراجع أخرى:
https://kadincinayetlerinidurduracagiz.net/veriler/3038/we-will-stop-femicides-platform-november-