فقر الحال يحرم مئات الطالبات والطلاب فرصة متابعة تعليمهم الجامعي في تركيا
"الرسوم الجامعية" تضيق الخناق على الطلاب الجامعيين السوريين في تركيا
إعداد: رزق العبي
منذ منتصف السنة الماضية ومعظم الطلاب السوريين في الجامعات التركية الحكومية يواجهون عقبة جديدة قد جعلت البعض منهم ينصرف عن إكمال الدراسة الجامعية أو يضطر للعمل والدراسة معا أو يضطر لدفع الرسوم الجديدة من أجل إكمال الدراسة.
وحسب طلبة جامعيين تواصلنا معهم، بات هناك أكثر من 50 جامعة حكومية تفرض رسوما على الطلاب السوريين وتعاملهم كبقية الطلبة الأجانب، فيما تصل بعض الرسوم لما يتجاوز حاجز الـ 30 ألف ليرة تركية لدراسة بعض التخصصات مثل الطب البشري.
ورغم أن البعض من الطلبة استطاع تجاوز هذه العقبة بسبب ظروفه المادية الميسورة، إلا أن هناك قسم منهم اضطروا إلى التوقف مؤقتا عن الدراسة أو إيجاد عمل يغطي مصروفاتهم المعيشية إلى جانب تأمين القسط السنوي.
وفي آب/ أغسطس من عام 2013، كان مجلس التعليم العالي في تركيا “YÖK” قد أصدر قرارا ينص على استثناء الطلاب السوريين من دفع الرسوم الجامعية المفروضة على الطلاب الأجانب بهدف تسهيل متابعة الطلاب السوريين تعليمهم الجامعي إلا أن هذا القرار لم يعد مطبقا في العديد من الجامعات.
https://www.resmigazete.gov.tr/eskiler/2013/08/20130831-23-1.pdf
ومع أن القرار المجدد بشكل دوري لا يزال ينص على استثناء الطلاب السوريين من الرسوم الجامعية، إلا أن عشرات الجامعات التركية باتت تفرض الرسوم الدراسية على الطلاب المتقدمين إليها.
رسوم الدراسة تحبط الطلبة
“الدراسة في تركيا باتت مكلفة على الطلاب السوريين، فمع رسوم دورات الـ YÖSو الـ SAT، هناك رسوم الدراسة في الجامعة، أمر مرهق” بهذه الكلمات، تبدأ الطالبة الجامعية في قسم الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب، نور محمد حديثها.
وتقول في اتصال هاتفي: إنها “تخرجت منذ سنتين ولكن حسب صديقات لها فإنه بات يطبق على الطلاب الجدد الرسوم الدراسية الخاصة بالطلاب الدوليين، أما قيمة الرسوم على الطلاب الأجانب الجدد فتبدأ في جامعة غازي عنتاب من 6690 ليرة تركية إلى 126,500 ألف ليرة تركية سنويا”.
http://iso.gantep.edu.tr/upload/files/2022-2023%20ucretler.pdf
وتضيف، بأن “المبالغ المذكورة تجعل العديد من الطلاب يعملون بدوام كامل ليلا نهارا، وقد لا يغطون هذه الأقساط إضافة لتكاليف معيشتهم الأمر الذي جعل بعض الطلبة يتوقفون ومنهم أحد أصدقائها، حيث انتقل للعمل في ولاية إسطنبول واضطرا لإيقاف دراسته مؤقتا”.
وتختلف الرسوم الجامعية من جامعة لأخرى ومن تخصص لآخر، فمثلا دراسة تخصص الطب للطلاب الجدد في غازي عنتاب تصل رسومه السنوية إلى 126,500 بينما دراسة القانون تكلّف رسوما تصل إلى 7500 ليرة تركية سنويا.
حق للاجئين ولكن!
مع أنه لا يزال يجري تجديد القرار الخاص باستثناء الطلاب السوريين من أولئك الطلاب الأجانب الذين تفرض عليهم دفع الرسوم الجامعية إلا أن هناك العديد من الجامعات التركية الحكومية باتت تعامل الطلاب السوريين كأي طالب أجنبي.
وبالرغم من نص المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن التعليم حق لكل شخص ويجب توفيره مجانا إضافة لمنح الحماية المؤقتة في تركيا الحق في التعليم لمن هم تحت الحماية من السوريين، ولكن يبدو أن هذه الجامعات تتجاهل هذه المبادئ.
على ضوء ذلك، يعلق رئيس تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل: “أعتقد أن قرار فرض رسوم جامعية ابتداء على الطلبة السوريين، كان مجحفا باعتبارهم مدرجين تحت الحماية المؤقتة وهو مركز قانوني يخولهم الحصول على التعليم مجانا أو برسوم جامعية رمزية مماثلة لما يؤديه الطلبة الأتراك، وهذا جزء من الالتزامات القانونية لدولة الحماية وفقا لاتفاقية حقوق اللاجئين المادة رقم 22، والتي هي المظلة الأشمل والمرجعية فيما لو لم يكن هناك نص واضح في قانون الحماية المؤقتة وهو ما عليه الأمر واقعيا وهو ما ينطبق على أجور السكن الجامعي أيضا”.
وحول الحلول المتاحة، يضيف، بأن “ما يمكن فعله قانونيا هو اللجوء للقضاء الإداري لمحاولة النيل من القرارين وإلغائهما بحكم قضائي لمخالفتهما موجبات قانونية ملزمة للدولة التركية تجاه الوضع القانوني للطلاب السوريين بوصفهم تحت الحماية المؤقتة”.
مصروف زائد!
لم يكن يخطر في بال يزن علي وهو طالب يتابع حاليا التحضير لامتحان الـ SAT آملا أن يسجل في قسم الهندسة المدنية ضمن إحدى الجامعات التركية في السنة القادمة، أن يتم إعادة فرض الرسوم على الطلاب السوريين.
يقول الشاب خلال حديث لنا معه: “ابحث خلال دراستي عن تخصص الهندسة المدنية في الجامعات التركية وادرس خياراتي للعام الدراسي القادم، ويبدو أن الرسوم المفروضة كبيرة جدا، مثلا في جامعة حجي تبه يطلبون سنويا حوالي 109,506 ليرة تركية”.
ويتابع، بأنه “يحاول البحث في الجامعات التي لا تزال تعامل السوريين كما السابق ولكنه يتخوف في ذات الوقت من تغيير سياستها في التعامل اتجاه الطلاب السوريين من ناحية الرسوم الجامعية في السنة القادمة”.
ومثل حالة الشاب يزن، يبدو أن هناك العديد من الطلبة الذين باتوا يقلقون من مشكلة الرسوم الدراسية المرتفعة المفروضة عليهم ما يجعل قسما منهم يعكف عن مواصلة الدراسة أو البحث عن بدائل أقل تكلفة.
استطلاع للرأي
يرفض غالبية الطلاب السوريين الذين تواصلنا معهم، إكمال دراستهم الجامعية في حال اضطروا إلى دفع أقساط سنوية تتجاوز حاجز الـ 15 ألف ليرة تركية كرسوم جامعية.
وحسب استطلاع، شمل 10 طلاب وطالبات يحضّرون للدخول إلى الجامعة السنة القادمة، فإن نصفهم لا يمكنهم دفع أقساط الدراسة في الجامعة في حال تجاوزت سنويا حاجز الـ 10 آلاف ليرة تركية، بينما 8 من أصل 10 لا يمكنهم دفع أكثر من 15 ألف ليرة تركية كرسوم دراسية.
ووفق الطلاب، فإن الأسباب تتباين بين ظروف عائلاتهم الاقتصادية التي لا تتحمل مصاريف أبنائهم الجامعية من رسوم وسكن ومصروف معيشي أو عدم قدرة أبنائهم على تحمل أعباء العمل إلى جانب الدراسة في حال اضطروا لذلك.
وتقول رانية الأحمد وهي إحدى الطالبات اللواتي يحضرن لدخول الجامعة السنة القادمة: “أحلم في دراسة الطب ولكن الأقساط الجامعية باتت مرتفعة جدا، لذلك علي أن أفكر في تخصص آخر أقل تكلفة من الطب حتى لو أتاح لي مجموعي دخول الطب”.
وتضيف، بأن “والديها يريدان منها أن تكون طبيبة ولو كلّف الأمر دفع رسوم مرتفعة، لكن ضيق ظروف عائلتها الاقتصادية يجعلها تفكر في إقناعهم بدراسة تخصص آخر”.
الجنسية التركية لم تخفض الرسوم
الكثير من الطلبة الجامعيين حصلوا على الجنسية التركية الاستثنائية خلال السنوات الماضية، إلا أنهم لا يزالون يُعاملون ضمن جامعاتهم كبقية الطلبة الأجانب.
على ضوء ذلك، يقول بلال شغري أحد الطلاب الناشطين في مجال تسجيل ومساعدة الطلاب الجامعيين في تركيا: إن “الطلاب من حملة الجنسية التركية يعاملون كأنهم طلاب سوريين، حيث أنهم عندما دخلوا الجامعة كانت مفاضلاتهم وفق نظام تعليمي يخص الأجانب”.
ويتابع، بأنه “كي تدخل الجامعة على أساس النظام الدراسي التركي يجب عليك أن تدرس YKS وهو نظام خاص بالأتراك، وحسب معدلات الطلاب الخاضعين لامتحان الـ YKS يؤهلهم ذلك لدخول الجامعات التركية بينما يدفعون أقساطا أقل بكثير من الطلاب الأجانب”.
الشاب يضيف، بأن “الطلاب السوريين باتوا يُعاملون كبقية الطلاب الأجانب من عدة نواحٍ أبرزها قيمة الرسوم الجامعية المفروضة عليهم إضافة للسكن الجامعي الذي بات يصل في بعض الجامعات مع تكاليف الوجبات والعائدات وغيرها إلى ما يزيد عن 5000 ليرة تركية وهذا حمل كبير على الطلاب”.
أقساط السكن الجامعي تزيد الطين بلّة
حقائب في الشارع، طلاب يحضّرون للعودة إلى أهاليهم مضطرين بذلك لإيقاف دراستهم الجامعية، أقساط خيالية مفروضة عليهم من أجل الحصول على سرير في السكن الجامعي، أحداث باتت متداولة بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وأطلق طلاب وطالبات أجانب بينهم سوريون هاشتاغا على مواقع التواصل الاجتماعي يعربون عن رفضهم للزيادة التي حصلت على أجور السكن الجامعي تحت اسم “yabanci öğrencilerinin kyk zamlarina karşiyiz”.
وحسب الطلاب، فإن الأجور ارتفعت عليهم ثلاثة أضعاف عن السابق فيما يبدو من خلال الصور ومقاطع الفيديو، أن العديد من الطلبة أخرجوا من السكن الجامعي لأنهم لم يستطيعوا دفع هذه الأقسام المرتفعة.
ويبدو أن تكاليف السكن الجامعي ارتفعت بشكل جنوني على الطلاب الأجانب بما فيهم السوريين، فمثلا وجبات الطعام اليومية باتت تكلف الطلاب الأجانب ما يزيد عن 60 ليرة تركية إضافة إلى أجور السكن التي زادت عن 1300 ليرة تركية.
https://twitter.com/khatib_khatib4/status/1598767930573000712
الطلاب السوريون باتوا تائهين
لكل جامعة تركية قراراتها الخاصة بها والرسوم التي قد تختلف جذريا عن رسوم مثيلاتها في البلاد إضافة للشروط المطلوبة والمتباينة، فبين جامعات تقبل الطلبة الأجانب على أساس شهادات مثل الـ YÖSوالـ SAT هناك جامعات أخرى تقتصر على الـ YÖS فقط.
ويضاف إلى ذلك، أن لكل جامعة نظام مفاضلة مختلف عن جامعات أخرى، حيث أن هناك جامعات تركية تفرض رسوما مبدئية لقاء المفاضلة بينما تتطلب جامعات أخرى الحضور شخصيا من أجل التقديم، وبين هذه الجامعة وتلك، يبدو أن الطلاب السوريين تائهين في مسألة إكمال تعليمهم الجامعي.
أثناء إعداد التحقيق، تواصلنا مع العديد من الطلبة ممن لا يزالون يحضّرون لأجل الدخول للجامعة في السنة القادمة، حول الجامعات المفضلة لديهم، حيث لم يفكر الغالبية في هذا الموضوع لما له من تبعات مختلفة عليهم.
ومع إعادة فرض أكثر من 50 جامعة تركية الرسوم الخاصة بالطلاب الدوليين على الطلبة السوريين أيضا، يبدو أن الخيارات باتت محدودة جدا أمام الطلبة.
يجدر الذكر أن آخر الإحصاءات تقول إن هناك ما لا يقل عن 48 ألفا و 192 طالبا وطالبة سوريين في الجامعات التركية، فيما يحضّر آلاف الطلاب من أبناء اللاجئين السوريين في البلاد للتسجيل في الجامعات التركية خلال السنوات القادمة.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.