أردوغان يتطرق لتغيير “متحف آيا صوفيا” لـ”مسجد”.. نبذة عن المكانة التاريخية
تطرّق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، مساء الأحد، إلى احتمال تغيير اسم آيا صوفيا التي كانت كنيسة قبل تحويلها إلى متحف، إلى “مسجد آيا صوفيا” بعد الإنتخابات المحلية المقرّرة في الحادي والثلاثين من اذار.
وردّاً على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية حول إمكانية جعل الدخول إلى متحف آيا صوفيا مجانياً، قال اردوغان: “الأمر ليس مستحيلاً (…) لكنّنا لن نفعل ذلك تحت اسم متحف، بل تحت اسم مسجد آيا صوفيا”.
و”أيا صوفيا” صرح ديني تركي مهيب؛ يعظمه سكان البلاد من المسلمين والمسيحيين على السواء. وبعد أن كان أضخم كاتدرائية للمسيحيين الأرثوذوكس طوال تسع مئة عام، أصبح أحد أعظم مساجد المسلمين على مدى نحو خمسة قرون، ثمّ صار متحفاً فنيّاً منذ 1934 بقرار سياسي. وتعتبره منظمة اليونسكو من الآثار التاريخية المنتمية إلى الثروة الثقافية العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ اسم أيا صوفيا يعني باللغة اليونانية “الحكمة المقدسة”، وقد شُيد صرحها عند مدخل مضيق البوسفور في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول بتركيا. ويُعرف موقعها اليوم بـ”منطقة السلطان أحمد”. وعندما بُنيت أيا صوفيا كانت تراد لها، من الناحية المعمارية، أن تكون أكبر كنيسة مسيحية، ودليلاً على المقدّرات التقنية المتقدمة للإمبراطورية البيزنطية السائدة آنذاك.
ويضم مبناها، الذي استغرق إنشاؤه خمس سنين ويمثل إحدى روائع الفن البيزنطي، قبة واسعةً يبلغ ارتفاعها 55.6 متراً وقطرها 32 متراً، وقائمةً على أربعة أعمدة ضخمة يصل ارتفاع كلّ منها 24.3 متراً. هذا إضافة إلى جدران بُنيت من الرخام المستجلب من بلدان عدة، وزُينت بالفسيفساء الذهبية اللامعة والأحجار الملونة.
ويبلغ طول المبنى الرئيسي 82 متراً، وعرضه 73 متراً، وارتفاعها 55 متراً، ويُدخل إليه من تسعة أبواب. وقد غُطي سطحه بأحجار الفسيفساء، وزُينت الجدران، بعد تحويله إلى مسجد، بكتابات للخطاطين العثمانيين. كما أضيفت إليها أربع مآذن أسطوانية الشكل على الطراز العثماني.
التاريخ
أقيمت أيا صوفيا عام 537 بأمر من الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأوّل (527-565)، الذي امتد حكمه من إسبانيا إلى منطقة الشرق الأوسط، لتكون صرحاً دينياً لا نظير له في العالم المسيحي، وعنواناً لقوّة الدولة الرومانية الشرقية. وظلت تمثل الكنسية الرسمية للدولة المسيحية البيزنطية وجوهرة عاصمتها القسطنطينية رغم تهدمها واحتراقها أكثر من مرّة، إلى أن فتح السلطان العثماني محمد الثاني (الشهير بـ”محمد الفاتح”) المدينة عام 1453 فغير اسمها إلى “إسطنبول”، ودخل هذه الكنيسة فصلى فيها أوّل جمعة بعد الفتح، وجعلها مسجدا كبيراً يرمز، في الاتجاه المعاكس، لقوة الدولة العثمانية وسيطرتها.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت أيا صوفيا جامعاً إسلامياً عظيماً يحظى برمزية كبيرة لدى الأتراك، إلى أنّ منع زعيمهم العسكري مصطفى كمال أتاتورك -الذي أنهى حكم الخلافة العثمانية عام 1923 وأعلن قيام جمهورية علمانية بدلا عنها- إقامة الشعائر الدينية فيه عام 1931، ثمّ حوله في 1935 إلى متحف فني يضم كنوزا أثرية إسلامية ومسيحية.
المكانة
يُنظر إلى أيا صوفيا باعتبارها معلماً أثرياً عالمياً يعكس تنوع الإرث الحضاري لمدينة إسطنبول، التي تقع على نقطة تقاطع حضاري بين الشرق والغرب، وكانت على مرّ التاريخ عاصمة للإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والعثمانية. وقد أدرجتها منظمة اليونيسكو الأممية عام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية.
لكنها تمثل رمزاً ثقافياً عالمياً له وزن خاص للمسيحيين الأرثوذوكس في كلّ مكان، وهي مقصد سياحي ديني للملايين منهم لما تجسده من دلالة دينية وعاطفية. وبالنسبة لليونانيين منهم خاصة فإنّها رمز ذكرى قوية لفترة تاريخية تجسد آمالهم في مستقبل أفضل، لا بقصد التوسّع والتمدد لكن من ناحية العزاء الديني المسيحي.
ومن الناحية الإقتصادية تأتي أيا صوفيا في المركز الثاني بين المتاحف التركية الأكثر جذباً للسياح؛ فقد استقطبت منهم عام 2012 نحو 3.3 ملايين زائر. ومن أشهر الشخصيات الدينية المسيحية التي زارتها في العقود الخمسة الأخيرة بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس السادس الذي أثار مفاجأة عندما جثا وصلى فيها خلال زيارته لتركيا عام 1967.
وفي مساء الخميس 30 تشرين الثاني 2006 زارها خليفته البابا السابق بنديكت السادس عشر ثم اتجه منها إلى زيارة المسجد الأزرق، متخطيا بذلك الجدل الكبير الذي أثير حول زيارته لهذين المكانين. ثمّ كرر زيارتها خلفه البابا فرانشيسكو يوم 29 تشرين الثاني 2014.