لماذا يُعرض الأتراك عن شراء الذهب السوري؟
دخل صاغة سوريون وعرب سوق الذهب في تركيا خلال السنوات الأخيرة، ومع أن الأتراك يهتمون بشراء الذهب ويعتبرونه زينة وخزينة للادخار فإنهم يعرضون عن شراء الذهب السوري.
“ليس كل ما يلمع ذهبا”.. مقولة تنطبق على نظرة الأتراك إلى عيارات وأشكال الذهب غير المعتادين عليها، فبالنسبة لعامة الأتراك الذهب القياسي (الستاندرد) هو من عيار 22 قيراطا، وهو ما يتعاملون به في محلات الصاغة ويستخدمونه للزينة والخزينة، إلا أنه مع افتتاح عدد من محلات الصاغة العرب -خاصة السوريين- خلال السنوات الأخيرة ظهر منافس جديد في الأسواق هو ذهب “عيار 21”.
ورغم أن سعر الذهب “عيار ٢١” أو ما أطلق عليه اسم “الذهب السوري” لتمييزه عن التركي أرخص من الأخير بحوالي 5% فإنه لا يزال يواجه صعوبات في دخول المنافسة مع صاحب الأرض والجمهور.
اختلاف أذواق
يقول أحمد سبانو -وهو صائغ ذهب سوري في حي أسنيورت بإسطنبول- إن الأتراك عموما لا يتقبلون الجديد بسهولة، سواء بالنسبة للطعام أو اللباس أو غيره، وهذا ينطبق على الذهب، فهم ملتزمون بأشكال وعيارات محددة، وليس من السهل عليهم استبدالها.
ويؤكد سبانو للجزيرة نت أن أغلبية زبائنه من السوريين أو العرب، وهذا يعود برأيه “إلى اختلاف عيارات الذهب التي نتعامل بها، فعيار الذهب الستاندرد لدينا في سوريا وعدد من الدول العربية هو 21 قيراطا، أما في تركيا فهو 22، ويوجد فرق باللون بين الاثنين، فالذهب السوري مائل للحمرة قليلا، أما التركي فهو فاتح، والأتراك يحبون هذا اللون، ويعتبرون أن لون المشغولات السورية غريب لذلك لا يقبلون على شرائها”.
وإلى جانب التزين والتهادي في المناسبات يهتم الأتراك عموما بشراء الذهب بغرض الادخار، وتشير تقارير اقتصادية إلى أن أكثر من 3500 طن من الذهب موجودة كمدخرات بين أيديهم.
اعتبارات
اهتمام الأتراك بالذهب وازدهار سوقه في تركيا التي تحتل المرتبة الـ12 عالميا كأكبر حائز على الذهب ضمن أصولها الاحتياطية أغرى الصاغة العرب -خاصة السوريين الذين فروا بخبرتهم وأموالهم من الحرب في بلادهم- بدخول هذا السوق، إلا أنهم حتى اليوم لم يستطيعوا الوصول للزبائن الأتراك رغم افتتاحهم عشرات المحلات التي تضع على واجهاتها عبارة “يوجد ذهب سوري”.
وعن سبب ذلك، يقول الصائغ السوري محمد حليوي إن الزبون السوري أو العربي عموما عندما يشتري “الذهب السوري” فإنه يراعي اعتبارات، أهمها أنه من الممكن أن يعود إلى بلده في يوم من الأيام وهناك يستطيع أن يبيعه أو يستبدله، أما الزبون التركي فهو لا يملك هذه الاعتبارات ولا يتعامل إلا بالذهب المعتاد عليه، وهو ما يجعله خارج نطاق التعامل بهذا الذهب.
وبشأن تأثير السعر في المنافسة، خاصة أن الذهب السوري أرخص من التركي عموما، قال حليوي إن الزبون التركي إذا أراد أن يختار الأرخص فإنه يتجه للذهب التركي أيضا من عيار 14 الذي يقل ثمنه عن عيار 22 بحوالي 40% ووفق موديلات وأشكال اعتاد عليها.
واستدرك بالقول “قد توجد بعض الاستثناءات من الأتراك الذين يتوجهون للذهب السوري، إلا أن تلك الاستثناءات لا تزال قليلة”.
منطق
بدوره، اعتبر محمد العراقي -وهو صاحب محل للذهب في حي بيلك دوزو الحديث بإسطنبول- تفضيل الأتراك تعاملهم مع الذهب التركي “منطقيا”.
ويقول العراقي للجزيرة نت “لكل شعب ثقافته الخاصة بالتعامل مع الذهب، فمثلا في سوريا والعراق العيار الستاندرد المتعارف عليه هو 21، أما في ليبيا مثلا فإن معظم الزبائن يفضلون عيار 18، وفي الخليج أيضا لهم عياراتهم الخاصة وأشكال يفضلونها على غيرها، وهكذا”.
وبشأن احتمال دخول العيار “الدخيل” على خط المنافسة مع الذهب التركي، يشير العراقي إلى أن الأمر متعلق بقناعة الأتراك، وهم حاليا ليست لديهم أي قناعة بذهب عيار 21، لكن لا نعرف في المستقبل إن كان سيدخل ضمن ثقافتهم الشرائية.
منافسة غير متكافئة
الصائغ التركي أركان أوزتورك -وهو صاحب محل للذهب والمجوهرات بإسطنبول- يقول إنه من المتعارف عليه أن الأتراك يلجؤون لاقتناء الذهب كملاذ آمن للادخار، خاصة في ظل عدم استقرار سعر الليرة، لذلك يفضلون شراء السبائك أو الليرات من عيار 24 قيراطا، أو القطع الذهبية عيار 22 كي يبيعوها عند الحاجة.
وأشار أوزتورك للجزيرة نت إلى أن المنافسة الحالية بين الذهب التركي وما يسمى “الذهب السوري” غير متكافئة، ليس فقط طبقا للمعايير الاقتصادية فحسب وإنما وفقا لقناعة الزبائن، إلا أنه مع الزمن لا بد أن يتم كسر هذا التمييز بين الصنفين، وحتى أشكال المشغولات ستتأثر ببعضها البعض.
وتوقع أن سعر الذهب السوري الذي ينخفض عن التركي بحوالي 5% قد يكون عامل جذب للزبون التركي مستقبلا، ولن يكترث لفرق اللون البسيط أو الدمغة غير المرئية لعيار الذهب على كل قطعة.
نظرة المجتمع
خلال وجودها لدى محل الصائغ أوزتورك برفقة خطيبها لشراء الذهب الذي سترتديه في زفافها قريبا، سألنا الشابة التركية توبا غل عن رأيها في شراء ذهب عيار 21 من حيث المبدأ، فأجابت “حتى لو أحببت مثلا أن أشتريه فإنني أخشى نظرة أقاربي أو أهل عريسي والمدعوين، فقد يظن البعض أنه ليس ذهبا حقيقيا، أو أنني أشتري الأرخص، عدا عن أشكال الحلي المختلفة التي أراها عادة على واجهات محلات للصاغة السوريين، فلذلك أحرص على مراعاة نظرة المجتمع”.
رهان
ويبقى رهان الصاغة السوريين على كبر سوق الذهب في تركيا وكونه سوقا واعدا يتسع للجميع، حيث قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز إن هدف بلاده الوصول إلى إنتاج ما بين 44 و45 طنا من الذهب خلال 2020.
وأشار الوزير في تصريحات له مؤخرا إلى أن تركيا تستورد نحو 160 طنا من الذهب كل عام، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، وأن بلاده تسعى لرفع إنتاجها من الذهب في السنوات الخمس المقبلة إلى 100 طن سنويا. (الجزيرة نت)